أرجو ألا تنتفض أخي القارئ لتكتب إلى مصححا الخطأ الشنيع الوارد في الآية في عنوان المقالة، فأنا –للأسف- أعني العنوان كما كتبته. خرجت للتو من نوبة تلوث بصري-عقلي، إذ جلست أتأمل في أحد الأماكن التجارية، فرأيت اللحوم والشحوم تُعرض عيانا بيانا، وإن أدري أين الحمقى الذين يدّعون أن العالم مقبل على أزمة لحوم وبروتين! رأيت ألبسة عجيبة، تبحث عن أية مناسبة لتنضو نفسها، ألبسة لا تضيق إلا عند السوءات التي يفترض بها أن تسترها. ترى، هل أصابت الانتقائية والهوائية الألبسة، فصارت تعرّي بدل أن تواري؟
ولتعرف هول المسألة، جرّب الخطة التالية معي، لكن على مسؤوليتك! اجلس أخي القارئ في أي مجمع تجاري، ولا تغض من بصرك، افعل هذا يومين أو يومين أو ثلاثة وستجد أن ما يفترض به أن يكون مفاتنَ، قد صار شيئا عاديا. استمر على هذا شهرا و أو شهرين، وستكون قد اجتزت مرحلة التطبيع، وستبدأ ترى المفاتن وقد صارت شيئا مقززا قد تضطر أن تغض بصرك عنك –لا حياء ولا تدينا بالضرورة- بل حفظا لما في جوفك من طعام.
الآن إلى الخطوة الثانية من الخطة، تنقّل بين قنوات الفضاء العربي الرحب، وستجد فيضانا من الثلوث الجسدي لا عاصم منه إلا الله. كرر هذا يوما أو يومين أو ثلاثة، وسترى أن الفتنة –حينما تطغى- تصيب بالتخمة الجمالية وسوء الهضم الروحي. كرره لشهر أو شهرين أو ثلاثة، وستصاب بنوع غريب من البلادة، فلا تعود تفرق بين "البوصة والعروسة"، فكل شيء ممل ومكرر، الجميلات جميلات إلى حد البشاعة، والوسام وسام حتى القبح، ولا تطلب مني شرحا، لكن افعل ما أقول لك، وستجد نفسك تفهم ما قلت، وتقول مثل قولي هذا.
أتأملُ أكثر في أكداس اللحم المتحرك، فأرى "بوية"* تمر، لم أتبين من أنها فتاة ألا من صوتها. ورجلا يمشي الهوينا حاملا كيسا من محل أدوات التجميل النسائية، علما بأنك يمكنك الاستنتاج من أن ما في الكيس لاستعماله الشخصي وليس لزوجته أو أخته أو أمه. منظر مقزز؟ لا، لا، بل هو منظر طبيعي جدا، فـ"البوية"، و"ماشي الهوينا" ينتميان انتماء أصيلا داخل الإطار الخشبي السعيد لمجتمعنا العتيد! وما هما إلا محصلة لبحث النفس البشرية عن شيء جديد، فالفتنة صارت مجانية ورخيصة وتلحق بالإنسان لحاقا مزعجا، حتى يصيح في نفسه بالعبارة الشهيرة: "ما لكم تكأكأتم علي هكذا كتكأكؤكم على ذي جنة؟ افرنقعوا!" ويبدأ الإنسان يبحث عن شيء غريب، شيء لم يصل سعره إلى الحضيض بسبب كثرة العرض وعدم تمكن الطلب من مجاراته. ومن هنا يولد الانحراف والشذوذ. إنها نزعة النفس البشرية للبحث عن شيء خاص، شيء يستحق العناء، شيء لا يحمل لافتة تقول "والدعوة عامة".
الفطرة والنواميس الربانية تسيرا يدا بيد وكتفا بكتف، ولا يمكنك أن تأخذ سطرا من القرآن وتترك السطر الآخر في الثلاجة إلى وقت الحاجة. لا يمكنك أن تلعن الشذوذ وأنت تشجّع على العري والتفسخ. فـ"صبغة الله" تسير مثل حبات المسباح أو أحجار "الدومينوز"، إن تحركت واحدة، سحبت صويحباتها. وها هو العري يشيع ويثخن في الأرض، وها هو أمر الله بستر العورات يُتجاهل. والنتيجة؟ ها هي الفطرات تفسد، فتبدأ بالبحث عن شيء أبعد ما يكون عن الفطرة. تعالوا نلملم خرزات مسابيحنا، علنا لا نرى بيننا يوما "عجلا جسدا له خوار" يتسيّد القلوب والأبصار.
__________
* بوية: كلمة عاميّة كويتي تطلق على الفتاة المسترجلة، وأصلها من كلمة Boy الإنكليزية التي تعني صبي.
التعليقات
تحية طيبة وبعد،،،
بعد ان أطلعت على المقال، أسجل هنا إعجابي بكلماتك وبهذا الطرح الرائع، بارك الله لك، وأحمد الله تعالى أنه مازال في الأمة العربية الإسلامية مَن يملك هذا الفكر المستنير ويدرك سوء ما وصل له حالنا هذه الأيام.
أشرف صالح
رئيس تحرير دورية كان التاريخية
شكرا على مرروك الطيب، ولا أقول إلا كثّر الله من أمثالك.
أدام الله قلبك نابضا بكل خير.
أفرح عندما أرى هذا الوهج في قلوبكم.
الأمر يحتاج إلى تغيير ثقافتنا ونظرتنا إلى الأمور، وأرى أن الجهد المطلوب هو جهد إعلامي بغرض الوصول إلى أكبر شريحة ممكنة.
بارك الله فيك، وكثّر من أمثالك.
بارك الله فيك، وزادك طيبا وطيبة.
لا نملك وإياكم إلا التغيير باللسان، وعسى الله أن يتقبل منا ومنكم، وأن يؤتي جهاد اللسان أكله ولو بعد حين.
ولعل السبب الأول هو الأهم. فدولنا بلا هوية ولا هدف. نحن لا نريد تحرير الإرادة الوطنية وطرد القواعد الأجنبية فقد زال أوان هذه الشعارات ونحن اليوم نتبع اقتصاد السوق وعقيدته. كما أننا نرفض الوحدة العربية التي تركناها بسبب هزيمة ال 67 وانتهاء موضة للقومية العربية (لامكان لأسرائيل فيها). ولا نريد دولة ديموقراطية مدنية بمرجعية إسلامية فهذا سيقود في الناية للتطرف والإرهاب (الإسلام ومحاربة إسرائيل)، ولا نريد أن نسعى للعدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق بين الغني و الفقير لأن عصر الاشتراكية قد ولى و الدعوة أليها حرام في كل دين ومذهب. و لا نريد أن نتبنى شعار "العمل هويتنا وهويتنا العمل" فلسنا بحاجة لإرهاق أنفسنا وبلادنا غنية بالخيرات الطبيعية التي منّ الله بها على بلادنا.
ماذا نفعل؟
-ما ترونه في مراكز التسوق، والقادم أفظع. القادم هو الاحتلال!
رغم من أن القلب مثقل و مهموم من هذه المشاهد، و لكن أليست هذه المشاهد مجرد مثال على انحطاط الأمة و واقعها المرير؟ فنظرة شمولية ( holistic) لأوضاع الأمة تجعل المتابع لا يتعجب من هذه المشاهد ففهمنا لديننا فيه خلل و علاقتنا بهويتنا و ثقافتنا مشوه و نظرتنا للآخر غير سوية.
فعلا هذا هو مايحدث الان
ولكن مايحدث الأن اخبرنا عنه الصادق المصدوق
اشكرك استاذتنا الكريمة على ما تمتعينا به
بجد المقالة وفوق الرائعه وتتحسس الواقع المرير بل والمحزن والمغزى وما نعانيى منه خصوصا مع التكلفة الكبيرة فى تكاليف الزواج على الرغم أن أكثر هذه التكلفة تكون فى المظاهر .
http://alramtha.net/index.php/artical/4161.html
عندما يفلس المتطفل على الكتابة يتسلق على الآخرين .
لكننا في عصر (صاحب الفضيلة ) قوقل .
وهنا فضيحته على (لصوص الكلمة)
http://bader59.com/main.htm
بارك الله فيكى، وهذا دليل فرض الحجاب
وقل للمؤمنين يغضوا من ابصارهن
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة