و البيان الشّهرزاديّ الفكري: د.هبة رؤوف أغاثتْ الملهوف.
وشوشة قبل البدء: يقول المُستشرق الإنجليزي مونتجومري وات " إذا وجد القائد المناسب, الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام, فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى ".
تحكي لنا شهرزاد في هذه الليلة السنيّة, قائلةً:لعل أبرز ما يُميز مركزيّ مُرتقى والرّواد للتدريب القيادي, الفلسفة التربوية الفكرية التي يعتنقها كلاً منهما, والمُتلخصة بالآتي:
إنّ الشخصية القيادية الإسلامية المنشودة تُصقل من خلال 3 أمور:
1. ممارسة الأدوار القيادية مع التوجيه التربوي من قبل مُتخصصين.
2.قراءة سير قياديّ الأمة والإلتقاء بهم للإستفادة من تجاربهم وخبراتهم
((مُلازمة القياديين من مختلف المجالات)).
3.تراكم الخبرات الحياتية , والنشوء في بيئة قيادية خصيبة رحبة تصقل المهارات والقدرات وتُقوم الأفكار والمعتقدات.
وقد تشرفتُ, كوني عضوة في مركز مرتقى للتدريب القيادي للفتيات, الأسبوع المُنصرم برفقة المُفكرة الإسلامية د.هبة رؤوف إثر دعوتنا لها, للمُشاركة بمؤتمرنا الفكري الثقافي السنوي الذي حمل هذا العام شعار " الحُريّة طريقُ الرّيادة ", والذي استفاضت من خلاله حول أطروحة " حُرية المرأة في الإسلام بين الواقع والطموح ", حيث أوضحت لنا المنهج الإسلامي التأصيلي لمساحات الحرية المُتاحة للمرأة المُسلمة في ميادين الحياة المختلفه, إنطلاقاً من بُنية فكرية تأسيسية نموذجية راسخة مُستوحاة خطوطها من عصر إشراق الرسالة المحمدية التنويرية.
فضلاً عن تبيان أهمية إمعان النظر في المساحات الفقهية الفسيحة في دستورنا القرآني وسنتنا المطهرة, و التي تُمكن المرأة المُسلمة القيادية للإضطلاع بأدوراها الحضارية في الأمة بتيسيير دون تعسير, وبانطلاق دون إنغلاق, كما بيّنت د.رؤوف المعالم التي تُساهم في صناعة حلة قشيبة تتزّيا بها المرأة المُسلمة, لتنعم بالحُريّة المُنضبطة وفقاً لشريعتنا الإسلامية السمحاء, والتي تشتمل الآتي (( مع مزج رؤيتي الفكرية في مضامينها )) :
1. المَكانة: وهي الأساس المركزي الذي يتمحور حول قضية تحرير المرأة, فلا حرية دون تأصيل مكانتها كما فعل الإسلام عندما حرّرها من قيود العبودية لغير الله, وفك أغلال التبعيّة المُهترئة , فالمكانة لا تتحقق إلا بتعظيم شأنها, واحترام قدراتها, وتقدير ذاتيتها, وبهذا الصدد يقول المُفكر الفرنسي مارسيل بوازار
(( كانت المرأة المُسلمة تتمتع بالإحترام والحرية في ظل الخلافة الأموية بأسبانيا , فقد كانت يومئذ تشارك مشاركة تامة في الحياة الاجتماعية والثقافية, وكان الرجل يتودد لـ(السيدة)للفوز بالحظوة لديها , كما أن الشعراء المسلمين هم الذين علموا مسيحي أوروبا عبر أسبانيا احترام المرأة )).
2. المُكنة: والتي تعني لغوياً: القدرة والإستطاعة والقوة والشّد, ويتمثل تمكين المرأة في دائرتين: الأولى من خلال التمكين الذاتي " عن طريق التأهيل والتدريب والتطوير ", والثانية في التمكين المجتمعي, من خلال ممارسة العمل الإجتماعي بمختلف صوره التّطوعي منه, والخيرّي والدعوّي والثقافيّ والفكري والسياسي وحتى الإقتصادي, مع ضرورة مُراعاة الضوابط الشرعية التي تحكم كل ميدان, وآداب التعامل مع الرجال- إن استوجب الأمر ذلك- مثل:
أ. غض البصر: (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم, إن الله خبير بما يصنعون, وقل للؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن)) سورة النور: 30
ب. الإحتشام والإلتزام بالزي الإسلامي الشرعي (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) سورة النور: 31
ت. الوقار في الحركة: (( ولا يضربن بأرجلهن ليُعلَم ما يُخفين من زينتهن )) سورة النور: 31
ث. عدم الخضوع في القول: (( فلا تخضعن بالقولِ فيطمع الذي في قلبه مرضٌٌٌ وقولن قولاً معروفاً)) سورة الأحزاب:32 .
3. المَكان:إيجاد حيز صحي للمشاركة الإجتماعية النّسوية الفعّاله, تحت ظروف الحماية والأمان تواؤماً مع طبيعتها المصونة, فلا يصح للمرأة المُسلمة أن تُزاحم الرجال في بعض المواقع بدعوى المساواة والعدل والإنصاف, فكلٌٌٌ في مجاله, وفقاً لطبيعته- وإن كانا في الموقع ذاته-, ولنا في السيرة المُحمدية خير دليل, فيُذكر في صحيح مسلم عن أنس بن مالك-رضي الله عنه- أنه قال: كان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يغزو بأم سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا, فيسقين الماء ويداوين الجرحى.
4. الكَمين:هو الفخ الفكري الوهمي, الذي يفرضه المجتمع الشرقي الذكوري-ليس الكل وإنّما زمرة عريضة- على الناشطة في حركة العمل الإسلامي, بحثّها ظاهرياً للمضي قُدماً في امتشاق السلاح العطائي في المجتمع للوثوب في أحضان الحضارة الإسلامية المجيدة, وتشجيعها على حضور مجالس العلم ودور الفكر, ومآدب الثقافة, من منطلق احتذاء حذو الصحابيات الفقيهات الأديبات الفصيحات والعالمات, ومن ثم إيقاعها في كمين النظرة المجتمعيّة السقيمة, التي تنص على: أن الناشطة وإن كُانت تصلح لأن تقف معنا جنباً الى جنب في صفوف العمل الإسلامي الإصلاحي, وتمد لنا يد العون في رسم خططنا الدعوية ونفوذنا السياسي في المجتمع, فإنها لا تصلح البتّه لنُبرم معها ميثاقٌٌ غليظ, ونبني معها مؤسسة مقدسة تُدعى (( الزواج )) !. إنّها مُفارقة عجيبة حقاً.. كيف تستوطن تلك الفكرة الخاوية, عقول حملة راية الرّيادة, وألوية الدعوة و أعلام النهضة؟.. وكيف يجترأ هؤلاء, على إلصاقِ تهمةٍ كهذه تُعري قبولها الإجتماعي؟.. أوليسَ رواد الصّحوة الإسلامية, هم أوائل من تبنى ثقافة تمكين المرأة المُسلمة, للقيام بواجباتها وحقوقها على أكمل وجه؟.. وهم من عملوا على توسيع مداركها وآفاق معارفها لانتشالها من أحابيل الجاهلية, ودسائس العلمانية, ووساوس الليبرالية !, ويؤكد قولي هذا طبيب الدعوة د.حسان حتحوت حينما قال((لايطمح من يدخل السباق أن يفوز و هو أعرج ، و لا يقدر طائر أن يطير بجناح واحد! و لا تستطيع أمة أن تقتحم الحياة برجالها ، و قد عزلت النساء و حجبتهن عن تشكيل الحياة )).
وشوشة أخيرة:
أكثر ما لفتني في شخصية د.هبة رؤوف تواضعها الدافق, وإصغائها الدافىء, وهذا وإن دل فإنه يدل على سعة فكرها, وغزارة علمها, فكما يُقال أنه كلما يزداد علم الإنسان يزدادُ علمه بجهله, فيزداد تواضعاً وإكراماً, لذا أقول لكِ يا د.رؤوف: جزيتِ خيراً وحباً وجمالاً, لأنكِ أغثتِ كل ملهوف.
دعوة لأمة إقرأ:
قراءة كتاب " تحرير المرأة في عصر الرساله ", لعبدالحليم محمد أبوشقّه.
وسكتت شهرزاد عن الكلام المُباح, عندما أدركها الصباح !
التعليقات
أبعث لكِ تحيةً تاريخية عبقة من بلاد الأندلس , حيث أنني أكتب ردي هذا وأنا في مدريد أو مجريط كما أسماها آباؤنا الفاتحين ..
الدكتورة هبة رؤوف , من أروع الشخصيات القيادية النسائية التي إلتقيت بها ,تحمل فكر رائع وعقل نيّر وقلب مستنير , تتحدث بكل واقعية وفهم وادراك , حضرت لها في خلال اسبوع ثلاث محاضرات , استفتدت في كل محاضرة أكثر من المحاضرة السابقة ..
واسعدتني جدًا الحوارات الشخصية التي أجريناها معها , انها بالفعل نموذج يستحق الاقتداء به ..
شهرزاد . أمتعتنا بهذه الرحلة الشيّقة , وشكرًا لكِ على حمل فكر الدكتورة هبة ونقله لنا ..
دُمتي قائدة فعّالة ورائدة في كل ميدان
هبة رؤوف أغاثت الملهوف !
لا انسى عندما رافقنها معا كم كانت تصغي بكل حب و حنان .. تعلم ما نريد ان نقول, تفهم واقعنا و خاصة نحن الفتيات ..
و كملة ( كتاكيت ) الى الآن ترن في اذني p;
بانتظار مقالك التفجيري القادم
من خلال تعاملاتي اليومية لسنوات عديدة مضت وتمضي حتي يشاء ربي ألا تمضي، يلوح لي أنه يوجد نوع من "الإنفصام" في تعاملات كثير من الرجال مع شقائقهم من النساء إلا من رحم ربي.
في الواقع أشعر بإمتعاض شديد من تلك النظرة السيئة للمرأة والتي تعني أن الناس لم تتفقه في دينها بعد حق التفقه؛ فالأمر أصبح إسقاط فرائض أو بريق الإسم عند كثيرين إلا من رحم ربي.
بالمناسبة تعقيبا علي المقال أيضا، ياللعجب هناك من الرجال من يتقي ربه أيضا لكن غبار "عاصفة الصحراء" حجبهم!
وختاما: أن أريقوا من الماء عسى أن سنقشع الغبار!
وختاما: أوليس فلانتاين منكم ببعيد؟
لكنني أحببت التنويه على شطر من المقوِّم الأول لهذه المراكز التدريبية القيادية، وهو "مع التوجيه التربوي من قبل متخصصين":
صحيح أن "القلوب بين إصبعي من أصابع الرحمن" سبحانه وتعالى، ولكن علينا بذل السبل أمام القيادي والقيادي كي يكونوا صالحين ومصلحين، حيث أن الخطر الأكبر - من وجهة نظري القاصرة - يكمن في تخريج أناس يتحلون بأدوات القيادة والتغيير دون أن تصحبهم حصيلة من الذاتية الإيمانية والمحاسبة الفردية والتأصيل الفكري والعقدي والتربوي المناسب.
الفتن من القيادي/ القيادية أقرب، والزلة منه ذاك صدى مدوٍ وأثر مؤلم، لأنه قدوة من جانب وذو إمكانات من جانب ثانٍ، بجانب الجوانب الأخرى المتعددة.
أقول هذه الكلمة من باب التذكير والتأكيد، و{الذكرى تنفع المؤمنين}، كما قرر ربنا سبحانه وتعالى، أما المركزين فلا نقلق بشأنهما فالقائمين والقائمات والقياديين والرائدات قدواتٌ في الارتقاء الدائم بهذه الجوانب، ولا أزكي على الله أحدًا والحمد لله رب العالمين.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة