(وقت القراءة: 2 - 3 دقائق)
مرت أسابيع على بداية العام الدراسي, ولم تلتحق خولة الطفلة المتفوقة بمقاعد الدراسة, وهذا ما أقلق زميلها وائل في القسم, إذ لا يحلو له الدرس دونها لكثرة التنافس بينهما في البحوث والمعلومات.

خرج من المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي حيث ينتظره أباه, ركب السيارة وبدا شاردًا. فجأة شاهد طيف فتاة على حافة الطريق السريع حاملة بيديها الصغيرتين المرتجفتين أرغفة تلوح بها كلما مرت سيارة مسرعة. اصفرت وجنتا وائل من حجم الدهشة والصدمة, لأن ذلك الطيف لم يكن إلا زميلته خولة, انتبه أبوه لحاله وقال: (أراك متعبًا اليوم يا بني) أمك حضّرت كعكًا لذيذًا ستتناوله مع الحليب وستشعر بتحسّن.

فكر وائل طوال الليل في أمر زميلته خولة, وفي الصباح طلب من والدته مصروفًا زيادة على العادة, فلبت طلبه بسرور وثقة في ابنها, خرج قاصدًا المكان الذي رأى خولة فيه, كان الجو ماطرًا, اقترب وائل رويدًا رويدًا من زميلته التي لم تصدق رؤيته, فأنزلت رأسها خجلة وتساقطت دموعها غزيرة كغزارة المطر المتهاطل. سألها وائل عن سبب غيابها, فقالت: (مرض أبي مرضًا أقعده الفراش لمدة شهور, وكل دخلنا صرفناه في الأدوية والمتابعات الطبية. وأمي المسكينة باعت كل ذهبها لشراء لوازم المدرسة لي ولأخوتي الصغار, ولما رأيت التغيير المفاجئ لظروفنا قررت أن أبيع الأرغفة كمدخول يومي. في البداية رفضت أمي, لأنها تتمنى أن أحافظ على تفوّقي حتى أصبح طبيبة, ومع إلحاحي وإقناعها بأنني سأوفق بين المدرسة وبيع الأرغفة قبلت, وأخفيت غيابي عن المدرسة التي لا تتناسب وأوقات فرص البيع. وكان لابد لي من الدخول للمنزل كل يوم وسلتي فارغة من الخبز وجيبي مملوءا بالمال الذي يُساعدنا على سد الرمق).

سألها عن مكان منزلها فأشارت إلى بيت قديم وحيد مقابل الطريق السريع الخطر...أعطاها كل مصروفه وقال: (سأعطيك يوميًا ثمن الأرغفة), عادت خولة إلى الانتظام في المدرسة وظل زميلها وائل يعطيها مصروفه اليومي.

استمر الحال أسبوعًا إلى أن سألته أمه: (لقد أصبحت تأخذ مصروفًا كبيرًا, أحب أن أعرف في أي شيء تصرفه?).

أجابها متهرّبًا: أقتصد لشراء بعض الكتب!

خرج مسرعًا, لم يقدر أن يمنحها اليوم مصروفه المعتاد.

في المساء أخبر والديه بسر صديقته خولة فقال له والده: (لنذهب إلى منزلها الآن).

فتحت خولة الباب لتجد وائل وأباه. ألقى نظرة على المكان الفقير الحزين الذي تعيش فيه خولة وأسرتها. استدعى الأب طبيبا لفحص الوالد المريض, وتم نقله إلى المستشفى لمتابعة العلاج بصورة منتظمة وتكفل أبو وائل بالمصاريف كافة.

وعادت خولة تواصل دراستها بشكل طبيعي بفضل مساعدات الأهل.

وفي إحدى الأمسيات أشاد والدا وائل بتصرّفه المسئول إزاء زميلته خولة, لكنهما وبَّخاه لإخفائه الأمر عنهما.

فأجاب وائل: لقد وعدت خولة بألا أخبر أحدًا...

فرد أبوه: جميل الوفاء بالوعد, ولكن لا ينبغي إخفاء ما تجد صعوبة في حله بنفسك, لابد من التحدث وتبادل الآراء لنجد حلاً يرضي جميع الأطراف فاللجوء للكذب, ولو بحسن النية ليس تصرّفًا سليمًا, لأن استمرارك في إعطائها مصروفك اليومي لا يشفي والدها ولن تتغير ظروفهم, الآن الحمد لله لقد شفي والدها وعاد لعمله وسيضمن لابنته أن تصبح طبيبة.

اعتذر وائل ووعدهما بعدم التصرف دون نصحهما وسألته أمه: وماذا كانت تفعل خولة بالأرغفة التي لم تبعها?

أجاب: لقد كانت تتصدق بها على الفقراء والمحتاجين.

عادت خولة إلى المدرسة, وكانت محظوظة بفضل وائل وأسرته, ولكن يظل وائل حزينًا كلما شاهد أطفالاً في شوارع المدينة الشاسعة يبيعون الأرغفة أو علب المناديل, يهددهم الخطر من السيارات المسرعة, ويمنعهم الفقر من مواصلة التعليم.

||نبذة عن المؤلف||

ندى مهري