قال يوسف أنني أعاني من الوسواس القهري فلم أبالي. قال – أيضا – أن الأمر لن يتطلب مني مجهودا كبيرا، فقط علي أن أمنحه صورة من مقاس 5/5 سنتيمترات و هو سيقوم بالباقي.
لكن الحقيقة أن يوسف كان يعلم موقفي من السفر إلى هكذا بلاد، يعرف أنني لن أستسيغ الحياة هناك و إن كان يوما قد صدمني بقوله : - من لا يصل العنب يقول عنه أنه حامض .
خشيت يومها أن يكون قد أصاب كبد الحقيقة فتشبثت بحبي لطنجة عله ينجدني من كلماته الحادة خصوصا و أنه يعلم مدى علاقتي بمدينتي النزقة.
- هذه أمريكا يا أخي ، أتفهم ؟ أمريكا !! حيث يمكن أن تعيش في ترف و رفاهية و تصرخ بأعلى صوتك و تعترض على كل شيء دون أن يلومك أحد . أمريكا، حيث يرفع المرء حجرا فيجد تحته دولارا.
لم يكن بي استعداد للنقاش و لا لإبداء رأيي فيما ذكره يوسف. مشكلتي أنني شعرت بالغربة عندما كنت في أوروبا، و لو هاجرت إلى أمريكا فسيكون الأمر إلى الانتحار أقرب . عندما أبتعد عن طنجة أشعر أنني شخص آخر غير الذي كنته و أنا فيها . بدون طنجة أنا لست أنا.
لا يكف يوسف عن وصف آرائي بالمبالغة فيها و بالعاطفية، و أنا لا أكف عن تحريك رأسي يمنة و يسرة دلالة على أنه لا أمل في إقناعي .
أخيرا، استسلم يوسف و أرسل لوحده بياناته لقرعة أمركيا السنوية.
طبعا سخرنا فيما بعد من أنفسنا كثيرا . لقد كنا نتشاجر و نتجادل في شيء لم تحسم نتائجه بعد.
لكن المفاجأة أن يوسف فاز فعلا ببطاقة الإقامة الخضراء . و عندما أخبرني بالأمر لم أجد ما أقوله سوى كلمة واحدة : مبروك !!
كان الفراق صعبا، و كان هو سعيدا رغم كل شيء . لقد تحقق حلمه على أية حال.
مرت الآن ثلاث سنوات منذ ذلك الوقت . إتصل بي يوسف البارحة و قال لي أن شركة الإلكترونيات خاصته قد تضاعفت أرباحها بسبب رمية من غير رام في البورصة.
أجبته أنني قد بعت البارحة كل كتبي و شهاداتي لبائع الحبوب كي يلفها فيها، و قد حققت ربحا لا بأس به أيضا، و كلنا سواسية .
هكذا قلت له و أنا أضحك بمرارة .. في حين كانت طنجة تحضنني رغم كل شيء.. رغم كل شيء.
التعليقات
ثمة آلاف العقول الشابة تريد أن تهاجر وتقيم في بلاد الحرية، والتقدم، والانفتاح، واحترام الانســــان.
وتبقى بلادنا هي بلادنا، رغم الظلم والجبروت والتخلف، تبقى هي بلادنا، التي نحبها..
كل الاحترام للكاتب
بشير بساطة
فا
وأنا ابنك أبغي طهر ثراك وأصنع من جسدي جسرا !
بلادي وإن جارت علي عزيزة ،،، وأهلي وإن ضنوا* عليّ كرام
_____________
* ضنوا: بخلوا.
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة