للاستماع إلى هذه المقالة بصوت الكاتبة:
{enclose Nashiri_Hayat_juhha_wa_fakh_Aleeqaa.mp3}
هل تذكرون جحا؟ هل تذكرون قصته حين سألوه "يا جُحا أين أُذُنك؟" فرفع يده اليمني ولفها خلف رقبته ليشير إلى أذنه اليسرى! منذئذٍ صارت عبارة "يا جحا أين أذنك" تطلق على من يلف ويدور حول أمر ما بشكل ممجوج. الآن ما علاقة قصة جحا بالإيقاع الوارد في عنوان المقالة؟ تابعوا معي رجاء.
في قضية حِل الموسيقا وحرمتها، هناك ثلاثة آراء:
1- هناك من يرى أن الموسيقا في مجملها حرام، ويكتفي بالهمهمات الصوتية البشرية مثلا.
2- وهناك من يرى أن الدُف وما شابهه من آلات غير وترية فقط حلال، وما عداها حرام.
3- وهناك من يرى أن الموسيقا برمتها بآلاتها الوترية وغير الوترية حلال.
لكل أصحاب رأي من الآراء الثلاثة مذهب في الاستدلال على صحة ما يقولون. وتضييع الوقت في الحكم على صحة آرائهم كتضييع الوقت في المراء حول موضع الكفين في الصلاة أين يكون، هل على الصدر أم على البطن، فكل هذه خلافات اجتهادية فقهية فيها سعة وليست هذه المقالة مجالها. لذا نترك النقاش فيها لأهلها ونلتزم نحن –غير المتخصصين في الفقه- نحوها أدب الاختلاف.
الدوائر الثلاث التي ذكرتها واضحة ومحددة ولا لبس فيها ولكلٍ الحق في اختيار ما يناسبه منها، لكن الآن صار لدينا مولود جديد يسمى تجاريا بالإيقاع خلط الدوائر الثلاث شر خلط. والوقوع في فخ الإيقاع صار صرعة اليوم كما يبدو.
حسنٌ، ما هو هذا الإيقاع؟ وهل له من اسمه نصيب فأوقع بنا؟
الإيقاع أحبتي كلمة ملطَّفة ومطاطة لكيان هجين بين الموسيقا والأصوات البشرية، حيث يقوم شخص بتأدية اللحن بصوته، ثم يُدخل الصوت البشري إلى الحاسوب وباستخدام برامج معينة يخرج الصوت البشري بحلة جديدة فتارة يبدو كصوت الطبل وتارة كالدف، أو العود، أو الكمان، أو البيانو أيضا. وسبحان من علّم الإنسان ما لم يعلم.
هنا يطرح السؤال نفسه وبقوة: هل العبرة بالصوت أم بمصدره؟ بمعنى، ما الفرق بين صوت البيانو الصريح الصادر من جهاز البيانو المعروف وبين صوت بشري تحول بواسطة الحاسوب إلى صوت يطابق صوت البيانو؟ أليس صوت البيانو بالنسبة لمن يؤمن بالرأي الأول حرام سواء أكان صادرا من بيانو أم من حاسوب أم من صدى قادم من كوكب المريخ؟ أليس هذا من ذاك وذاك من هذا؟ أين ذهب مبدأ القياس الفقهي إذا؟
من حرموا الموسيقا حرموها لما تحدثه في القلب من إلهاء من وجهة نظرهم، وهل صوت العود الخارج من الحاسوب أقل إلهاء من ذلك الخارج من أداة العود نفسها؟ الأخطر من هذا هو أنّه إذا كان شخص ما يرى أن الآلات الموسيقية حرام، أليس من المؤسف أن نجعله يستمع إلى شيء هو في محصلة الأمر موسيقا خرجت من رحم مختلف (الحاسوب) عن الرحم المعتاد (الآلة الموسيقية)؟ أليس هذا كمن يفعل مثل جحا في القصة التي أوردتها خاصة وأن الغالبية العظمى تظن أن الإيقاع أمر مختلف عن الموسيقا لأنها كلمة مألوفة وعامة ولا توحي بالكثير.
لغويا، الإيقاع أو الـ Rhythm وفقا لمعجم المورد هو "الاتزان والتناغم وائتلاف أجزاء الأثر بعضها مع بعض بحيث تؤلف كلا فنيا". وهذا أمر موجود في الشعر، وموجود في الألحان بشكل عام، سواء في تلك الخارجة من آلات موسيقية مباشرة، أو الخارجة من تحوير الصوت عبر الحاسوب، أو في الهمهمات البشرية. فلِمَ يتم لي عنق الكلمة لتوصل معنى ليس معناها؟ وإن سألتموني عن الاسم الصريح والواضح لما يسمى ظلما بالإيقاع فسأقول أنه "موسيقا ذات أصل بشري" أو "موسيقا حاسوبية". فهل سنجد الجرأة من منتجي الأناشيد ليكتبوا ذلك على أغلفة إصداراتهم؟ آمل ذلك من كل قلبي.
أعلم أن لهجتي حادة قليلا بل كثيرا، وعذري في ذلك أني أحب لإخوتي -حتى الذين اختاروا رأيا غير رأيي- ما أحب لنفسي. أما عني أنا شخصيا، فأنا من أصحاب الرأي الثالث وأرى أن الموسيقا وحدها ليست حراما، بل ما يحدد حِلها أو حرمتها هو الكلمات والأداء والجو المحيط بها والرسالة التي تهدف إليها، ولا يهمني أكان اسمها موسيقا أم إيقاعا. وكان بإمكاني أن أسكت وأن ألا أدخل إلى عش الدبابير بقدمي بدعوى أن الأمر لا يعنيني، بل سيكون انتشار ما يسمى بالـ"الإيقاع" بمثابة انتصار غير مباشر لوجهة نظري. كان بإمكاني ألا أبالي وأن أهز كتفي وأقول كما يقول الجميع "وما شأني أنا". لكنها العدالة، لكنه علم وصل إليّ لا يجوز لي أن أكتمه. و"من علم مسألة، فهو بها عالم" كما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، و"من كتم علما، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة" كما قال رسولنا صلوات ربي وسلامه عليه.
التعليقات
لكن اختلاف الناس ممكن في المسألة
كما اختلفوا في وضعية اليدين في الصلاة
هل تأخذالأشياء حكم أصلها .. أم تأخذ حكم نتيجتها ؟؟
البعض يرى تحريم الموسيقى .. لكن لأن العلة غير منصوصة صراحة
بالتالي يقول إن تحريم الموسيقى لا يقاس عليه غيره
لأن ركن العلة غير معروف !!
نجد مشايخنا الكرام .. أجازوا التورق .. بينما الربا محرمة قطعا
وإن كان المثال الأخير غير دقيق .. إلا أنه قريب
لكن ما وقع في الموضوع من خطأ
هو جعل الإيقاع هو الموسيقى البشرية ..
والإيقاع كما يعرفه الأخوة المختصون هو آلات الضرب .. دفوف .. طبول .. إلخ
أما نسخة المؤثرات البشرية .. أو التي يسمونها (نسخة بدون إيقاع)
فنجد فيها أيضا تلك الموسيقى البشرية ..
الغريب في الأمر ..
أن الموسيقى البشرية التي هي مثار شبهة كبيرة لدى من لا يستمع للموسيقى
صارت هي المتداولة عنده ..
في الوقت نفسه يقول أن الدف حرام .. لذا لا يستمع للإيقاع !!
في البداية من الصعب جدا تقبل فكرة التشبيه بين غباء جحا وبين محاولات بعض المنشدين لاستخدام الايقاع أو ما كنتم تقصدونه وهو تغيير الصوت البشري وخروجه من أصله إلى أصوات مموّّجة تقوم بتغيير الصوت إلى أصوات أخرى ، كذلك تحديد أناشيد الإيقاع في زاوية واحدة وهي الزاوية التجارية وهذا أيضا يصعب تقبله من ناقدة تتحرى الدقة خصوصا من الناحية اللغوية واعطاء المسميات والألقاب حقها ومكانها المناسب ..
(( الإيقاع أحبتي كلمة ملطَّفة ومطاطة لكيان هجين بين الموسيقا والأصوات البشرية، حيث يقوم شخص بتأدية اللحن بصوته، ثم يُدخل الصوت البشري إلى الحاسوب وباستخدام برامج معينة يخرج الصوت البشري بحلة جديدة فتارة يبدو كصوت الطبل وتارة كالدف، أو العود، أو الكمان، أو البيانو أيضا. وسبحان من علّم الإنسان ما لم يعلم))
هذه الجملة غير سليمة لعدة وجوه :
أولا : الإيقاع لا يمكن تسميته موسيقا بالمعنى الفني ولكنه موسيقا بالمعنى العام ، حيث أن الشعر له موسيقا وصوت الماء له موسيقا فالإيقاع إذا له موسيقا ولكن فنيا يعتبر منفصل عن الآلات الموسيقيةالتي يكون فيها سلم موسيقي يبدأ بـ دو وينتهي بـ دو وهو يعتمد بشكل أساسي على رتمين فقط هما دوم وتاك ..
ثانيا : ولا يكون على الإطلاق أصوات بشرية بل هو مجموعة من الآلات المصنوعة خصصيصا للضرب والقرع عليها حتى تصدر أصوات موزونة على رتم محدد ، وتختلف أصواتها باختلاف صنعهاوحجمها وشكلها ، منها ما يكون من الجلد ومنها من النايلون ومنها من الورق السميك .. الخ
ثالثا : يمكن للصوت البشري أن يقوم بمحاكاتها وتقليدها ، كما يمكنه أيضاأن يقلد صوت الرعد أو صوت الرياح أو صوت الموج أو غيرها من الأصوات الأخرى ، ولكن يبقى الأصل بالنسبة للايقاع هو كونهاآلالات مصنوعة لوظيفة الوزن الموسيقي وضبطه على حسب أوزان وقواعد موسيقية مثلها مثل الأوزان الشعرية ، وتختلف ما بين السريع والبطيء والمتوسط وما بين رتمين أساسيين كما ذكرت هما الـ دوم والتاك ..
لكن ما تقصدونه في هذه الجملة هو برامج الكمبيوتر التي تقوم الكترونيا ورقميا بأخذالموجات الصوتية للآلات الموسيقية وتطبيقها على الصوت الذي يراد له ذلك ، فتكون في الأصل صوت بشري مع موجات مخزنة من آلة من الآلات الموسيقية ( النفخية والوترية) وليس الايقاعية ، فتحدث عملية المشابهة والمطابقة بحسب الدرجة التي يمكن التحكم بها من 1% إلى 100% ..
وكنت أتمنى حقيقة سؤال المختصين في الموسيقى حتى يكون هناك إلمام شامل بالفرق بين الإيقاع وبين بقية الآلات النفخية والوترية ، وبين الموجات الرقمية والكهربائية التي تقوم بتحويل الصوت البشري إلى ما شاءت من أصوات مخزنة عن طريق برامج الصوت المختلفة ..
أخيرا أود أن أوضح نقطة في غاية الأهمية ، وهي أن الموسيقا تم استخدامها قبل 500 سنة قبل الميلاد وإلى يومنا هذا وهم ما زالوا يستحدثون آلالات جديدة حتى تقدم أصوات موسيقية جديدة وهذا هو حال المبدع الذي يريد أن يترك بصمة في الفن الذي يقدمه ، وكثير من الآلات عبر هذه السنوات لم تنتشر ولم تأخذ انتشار واسع كانتشار آلة الناي أو الكمان أو العود أو البيانو ، لكنها كانت تجارب ومحاولات لخلق ما هو جديد في عالم يعتمد على الصوت ومدى قربه إلى الإنسان ، في حين أن المنشد الذي يعتمد أيضا على الصوت البشري بشكل أساسي لابد وأن يبتكر أصوات أخرى بالوسائل المتاحة له بغض النظر إن كانت المحاولات ناجحة أو فاشلة ولكنهامطلب أساسي حتى لا يتكرر نفس الأسلوب في أناشيده وبالذات حين يكون ذلك مطلب الجمهور الأساسي وهو ( الصوت البشري ) فلا يتاح للمنشد سوى أنه يبتكر أصوات جديدة يمكن لها أن تخلق تناغم بينها وبين بعضها بالإضافة إلى الإيقاع الذي يعتبره الموسيقيون هو نصف العمل الفني ..
وليست في المسألة تحايل أو مراوغة على الشرع لأننا نعرف الآراء الشرعية في هذا الأمر ولكن كما ذكرت نحن خرجنا من بيئة لم تعتد إلا على الصوت البشري ، وليس ذلك تحايل على الجمهور لأننا نعرف تماما الفرق بين الموسيقى وبين الصوت البشري والفرق بين الآلات الوترية والنفخية وبين الآلات الايقاعية وبين البرامج التي تخرج الصوت من موجات رقمية وكهربائية ربما تكون شبيهة ببعض الأصوات الموسيقية لكنها تظل شبيهة وليست مطابقة لها ، برأيي المتواضع لا بأس من استخدامها إذا راعت أمرين مهمين وهما جودة هذا الصوت والذوق في استخدامه ..
وشكرا جزيلا وعذرا على الاطالة ..
1. من المعاجم العربية: (لفظ يُطلق على فُنون العزفِ على آلات الطَّرب)ِ أو (علم يُبْحث فيه عن أصُوْل النغم من حيث الائتلاف أو التنافر وأحوال الأزمنة المتخلّلة بينها ليعلم كيف يؤلّف اللحن؛)
2. من المعاجم الأجنبية وبحسب قاموس أكسفورد: (sounds that are arranged in a way that is pleasant or exciting to listen to) ويمكن تعريبه يأنه (تنظيم الأصوات في إيقاع متناغم لإمتاع السامع)
طيب ألا يعني هذا أنه سواء كان السلم غربيا ذو سبع درجات (دو ري مي فا صول لا سي دو) أو شرقيا -وليس عربيا ففط- ذو درجتين (دوم تك) فإن الأمر في النهاية يعني وجود موسيقى سواء هجنت في آلة وترية أو إيقاعية أو كمبيوترية أو ما شاء ربي؟
ببساطة يلوح لي أن المقال لا يهدف إلي ترجيح رأي فقهي على أخر؛ فالإحتلافات الفقهية فيها سعة للجميع، كما لا يهدف إلي تحليل أو تحريم شيء من الناحية الشرعية وكذا لا يهدف إلي إتهام أحد بالتحايل بل يهدف يصورة رئيسة إلي التنساؤل عن قدرتا على تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.
هذا هو السؤال.
1- الآلات الإيقاعية( الطبل - الدف - الكونجا - المرواس .. الخ )
2- الآلات النفخية ( الناي - الكلارنيت - البان فلوت .. الخ )
3- الآلات الوترية ( الكمان - العود - البيانو - القانون .. الخ )
4- الصوت البشري ( الطبيعي - المعدل .. الخ )
5- المؤثرات الطبيعية أو الأصوات الفطرية من الطبيعة ومكوناتها
بذلك نكون فرقنا بين :
موسيقا الإيقاع وموسيقا الصوت البشري
وبين موسيقا الآلة الوترية والآلة النفخية
وحتى موسيقا الأصوات الطبيعية
بإعتبارهم آلات تصدر نغمات مختلفة يمكنها أن تصدر
تناغم وتنافر لحني معين ..
لا يمكن أن نسمي نسخة الإيقاع أو نسخة المؤثرات الصوتية أو نسخة الدف أو النسخة الخالية من المؤثرات بالـ موسيقا ، مع العلم أنهم في النهاية كما ذكرنا موسيقا !! لكن نطلق على الآلات الوترية والنفخية بالموسيقا لأنها تدخل ضمن ما يمكن العزف عليه من آلات وليس ما يضرب به ، وهناك فرق بين العزف والضرب في علم الموسيقا ، وهو ما اختلف فيه علماء الفقه حول تعريف مفردة " المعازف " المذكورة في الحديث النبوي الشهير في هذا الباب ، بذلك يخرج الإيقاع من هذا الخلاف الفقهي كونه آلة قرعية يضرب بها ولا يتم التطريب بها أو العزف عليها ..
وشكرا جزيلا ..
نعم "المعازف" إختلف فيها الفقهاء وسوف يظلوا هكذا إلي يوم الدين. الضرب غير العزف كما تفضلت وأسلفت لكن -في رأيي- لان تأريخ علم الموسيقا وضع أساسه الحضارة الغربية.
سؤالي اللأبدي: ماذا عن حالة الطبال في الرقص الشرقي؟ نعلم أنه يدخل في إطار التحريم ببساطة لأنه خرج عن مقاصد الشريعة الخمس بالرغم من أنه ضرب وليس عزف وقس عليه الفنون.
برأيي أن الموضوع لم يحسم ويبدو أنه لن يحسم -من ناحيتي على الأقل- لذا الإختلاف في الرأي لا يفسد للأخوة -وليس الود فقط- قضية
خير إن شاء الله
وقد طغت الأناشيد على غيرها من المواد المسموعة العلمية والنافعة ، وكثرت الفرق الإنشادية في العالم الإسلامي ، ولم تتردد تلك الفرق في نشر صور فريقها في الجرائد والمجلات بلباس موحد ، ووجوه يعلن كثير منها مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بحلقهم لحاهم .
وقد لهث خلف هذه الأناشيد بعض أهل القرآن ممن وهبهم الله صوتاً رائعاً ، وقراءة خاشعة ، تحزن القلب ، وتدمع العين ، فلهث بعض هؤلاء إلى النشيد وأخرجوا إصدارات مشينة لا تليق بمقامهم ، فيخرج أحدهم في إصدار مع فسَّاق حليقين ، بل وتظهر صورة امرأة في نشيدة مع فيديو كليب ، ويركَّز في هذه النشيدة المصورة على المنشد وهو في أحسن صورة وأجمل طلعة ، وتقرب الكاميرا من وجهه ، وينظر نظرات المغنين التي تمتلئ إثارة وتهييجاً .
ولسنا نبالغ ، ولا نتكلم في غير الواقع ، وهؤلاء المنشدون الذين نشروا صورهم وأرقام جوالاتهم يعلمون فتنة النساء بهم ، ويعلمون ما أحدثته حركاتهم ونظراتهم وصورهم بتلك الفئة الضعيفة من البشر ، وللأسف لم نر منهم إلا ازدياداً في الإنتاج لتلك الأناشيد المصورة .
1. قال رحمه الله :
" أرى الأناشيد الإسلامية تغيرت عن مجراها سابقاً ، كانت بأصواتٍ غير فاتنة ، لكنها صارت الآن بأصواتٍ فاتنة ، وأيضاً فخمت على أنغام الأناشيد الخبيثة الفاسدة ، وقالوا : إنها تصحبها الدف ، وهذا كله يقتضي أن الإنسان ينبغي أن يبتعد عنها ، لكن لو جاءنا إنسان ينشد أناشيد لها هدف ، وليس فيها شيءٌ من سفاسف الأمور ، وبصوته وحده بدون آلات لهو : هذا لا بأس به ، وقد كان حسان بن ثابت ينشد الشعر في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ".
" دروس وفتاوى الحرم المدني " عام 1416 هـ السؤال رقم 18 .
2. وقال رحمه الله أيضاً - :
" الأناشيد الإسلامية كثُرَ الكلام حولها ، وأنا لم أستمع إليها منذ مدة طويلةٍ ، وهي أول ما ظهرت كانت لا بأس بها ، ليس فيها دفوف ، وتُؤدَّى تأديةً ليس فيها فتنة ، وليست على نغمات الأغاني المحرمة ، لكن تطورت ، وصارَ يُسمع منها قرع يُمكن أن يكون دُفّاً ، ويمكن أن يكون غيرَ دُفٍّ ، كما تطورت باختيار ذوي الأصوات الجميلة الفاتنة ، ثم تطورت أيضاً حتى أصبحت تؤدَّى على صفة الأغاني المحرمة ، لذلك : أصبح في النفس منها شيء وقلق ، ولا يمكن للإنسان أن يفتي بأنها جائزة على كل حال ، ولا بأنها ممنوعة على كل حال ، لكن إن خلت من الأمور التي أشرت إليها : فهي جائزة ، أما إذا كانت مصحوبة بدُفٍّ ، أو كانت مختاراً لها ذوو الأصوات الجميلة التي تَفتِن ، أو أُدِّيَت على نغمات الأغاني الهابطة : فإنّه لا يجوز الاستماع إليها ".
" الصحوة الإسلامية " ( ص 185 ) .
" أما ما تسمونه بالأناشيد الإسلامية : فقد أُعطي أكثر مما يستحق من الوقت ، والجهد ، والتنظيم ، حتى أصبح فنّاً من الفنون ، يحتل مكاناً من المناهج الدراسية ، والنشاط المدرسي ، ويقوم أصحاب التسجيل بتسجيل كميات هائلة منه للبيع والتوزيع ، حتى ملأ غالب البيوت ، وأقبل على استماعه كثير من الشباب والشابات ، حتى شغل كثيراً من وقتهم ، وأصبح استماعه يزاحم تسجيلات القرآن الكريم ، والسنَّة النبوية ، والمحاضرات ، والدروس العلميَّة المفيدة ".
" البيان لأخطاء بعض الكتاب " ( ص 342 ) .
4. وقال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
"وإني لأذكر جيِّداً أنني لما كنت في دمشق - قبل هجرتي إلى هنا عمَّان - بسنتين أنّ بعض الشباب المسلم بدأ يتغنى ببعض الأناشيد السليمة المعنى ، قاصداً بذلك معارضة غناء الصوفية بمثل قصائد البوصيري وغيرها ، وسجَّل ذلك في شريط ، فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى قرن معه الضرب على الدف ! ثم استعملوه في أوّل الأمر في حفلات الأعراس ، على أساس أنّ الدف جائز فيها ، ثم شاع الشريط ، واستنسخت منه نسخ ، وانتشر استعماله في كثير من البيوت ، وأخذوا يستمعون إليه ليلاً نهاراً ، بمناسبة وبغير مناسبة ، وصار ذلك سلواهم وهجيراهم ! وما ذلك إلاّ من غلبة الهوى والجهل بمكائد الشيطان ، فصرفهم عن الاهتمام بالقرآن ، وسماعه ، فضلاً عن دراسته ، وصار عندهم مهجوراً كما جاء في الآية الكريمة – أي : قوله تعالى : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً ) الفرقان/30 – ". " تحريم آلات الطرب " ( ص 181 ، 182 ) .
ومن المؤسف أن يصل الحال ببعض المتصدرين للفتوى بأن يفتي لنساء بالغات أن ينشدن أمام الرجال ، بل في الفضائيات أمام الملايين ! مع استعمال هذه المنشدة للآلات الموسيقية التي يحرمها الشرع ، ويبيحها ذلك المفتي .
ضوابط وشروط النشيد الجائز :
وبتأمل كلام العلماء والمشايخ الثقات يمكننا جمع الضوابط والشروط الشرعية التي يجب تحققها حتى يكون النشيد جائزاً ، ومن ذلك :
1. أن تخلو كلمات النشيد من الكلام المحرم والتافه .
2. أن لا يصاحب النشيد معازف أو آلات موسيقية ، ولم يُبح من المعازف إلا الدف للنساء في أحوال معينة ، وانظر جواب السؤال رقم (20406) .
3. أن تخلو من المؤثرات الصوتية التي تشبه صوت الآلات الموسيقية ؛ لأن العبرة بالظاهر والأثر ، وتقليد الآلات المحرمة لا يجوز ، وخاصة أن أثرها السيئ هو نفسه الذي تحدثه الآلات الحقيقية .
4. أن لا تكون الأناشيد ديدناً للمستمع ، وتستهلك وقته ، وتؤثر على الواجبات والمستحبات ، كتأثيرها على قراءة القرآن ، والدعوة إلى الله .
5. أن لا يكون المنشد امرأة أمام الرجال ، أو رجلاً فاتنا في هيئته أو صوته ، أمام النساء .
6. أن يتجنب سماع أصحاب الأصوات الرقيقة ، والمتكسرين في أدائهم ، والمتمايلين بأجسادهم ، ففي ذلك كله فتنة ، وتشبه بالفساق .
7. تجنب الصور التي توضع على أغلفة أشرطتهم ، وأولى من ذلك : تجنّب ظهورهم بالفيديو كليب المصاحب لأناشيدهم ، وخاصة ما يكون من بعضهم من حركات مثيرة ، وتشبه بالمغنين الفاسقين .
8. أن يكون القصد من النشيد الكلمات لا الألحان والطرب .
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبَّادهم وزهَّادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف ، كما لم يُبح لأحدٍ أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة ، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ، ولا لعامي ولا لخاصي ، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح .
وأما الرجال على عهده : فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ، ولا يصفق بكف ، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : ( التصفيق للنساء ، والتسبيح للرجال ) و ( لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ) .
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء : كان السلف يسمُّون من يفعل ذلك من الرجال مخنَّثاً ، ويسمُّون الرجال المغنين مخانيثاً ، وهذا مشهور في كلامهم " انتهى " مجموع الفتاوى " ( 11 / 565 ، 566 ) .
2. وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" الأناشيد الإسلامية تختلف ، فإذا كانت سليمة ليس فيها إلا الدعوة إلى الخير ، والتذكير بالخير ، وطاعة الله ورسوله ، والدعوة إلى حماية الأوطان من كيد الأعداء ، والاستعداد للأعداء ونحو ذلك : فليس فيها شيء ، أما إذا كانت فيها غير ذلك من دعوة إلى المعاصي ، واختلاط النساء بالرجال ، أو تكشف عندهم ، أو أي فساد : فلا يجوز استماعها " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 437 ) .
3. وقال – أيضاً رحمه الله :
" الأناشيد الإسلامية مثل الأشعار ؛ إن كانت سليمة : فهي سليمة ، وإن كانت فيها منكر : فهي منكر ...
والحاصل أن البَتَّ فيها مطلقاً ليس بسديد ، بل يُنظر فيها ؛ فالأناشيد السليمة : لا بأس بها ، والأناشيد التي فيها منكر ، أو دعوة إلى منكرٍ : منكرةٌ " انتهى " شريط أسئلة وأجوبة الجامع الكبير " ( رقم : 90 / أ ) .
4. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" ويجوز لك أن تستعيض عن هذه الأغاني بأناشيد إسلامية ، فيها من الحكم ، والمواعظ ، والعبر ما يثير الحماس والغيرة على الدين ، ويهز العواطف الإسلامية ، وينفر من الشر ودواعيه ، لتبعث نفس من ينشدها ، ومن يسمعها إلى طاعة الله ، وتنفر من معصيته تعالى وتعدي حدوده إلى الاحتماء بحمى شرعه ، والجهاد في سبيله ، لكن لا يتخذ من ذلك وِرْداً لنفسه يلتزمه ، وعادة يستمر عليها ، بل يكون ذلك في الفينة بعد الفينة عند وجود مناسبات ودواعٍ تدعو إليه كالأعراس والأسفار للجهاد ونحوه ، وعند فتور الهمم لإثارة النفس والنهوض بها إلى فعل الخير ، وعند نزوع النفس إلى الشر وجموحها لردعها عنه وتنفيرها منه " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 533 ) ، وقد نقلنا الفتوى كاملة في جوابي السؤالين ( 47996 ) و ( 67925 ) .
5. وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" بل قد يكون في هذا – [ أي : الأناشيد ] - آفةٌ أخرى ، وهي أنّها قد تُلحَّن على ألحان الأغاني الماجنة ، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم ، وتخرجهم عن طورهم ، فيكون المقصد هو اللحن والطرب ، وليس النشيد بالذات ، وهذه مخالفة جديدة ، وهي التشبه بالكفار والمجّان ، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى ، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه ، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه ، كما في قوله تعالى : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) " انتهى .
" تحريم آلات الطرب " ( ص 181 ) .
6. وقال – أيضاً - :
" إذا كانت هذه الأناشيد ذات معانٍ إسلامية ، وليس معها شيء من المعازف ، وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوِها : فهذا أمرٌ لا بأس به ، ولكن لابد من بيان شرطٍ مهم لجوازها ، وهو أن تكون خالية من المخالفات الشرعية ؛ كالغلوّ ، ونَحوِه ، ثم شرط آخر ، وهو عدم اتخاذها دَيدَناً ؛ إذ ذلك يصرِفُ سامعيها عن قراءة القرآن الذي وَرَدَ الحضُّ عليه في السُنَّة النبوية المطهرة ، وكذلك يصرِفُهُم عن طلب العلم النافع ، والدعوة إلى الله سبحانه " انتهى .
" مجلة الأصالة " ( العدد الثاني ، تاريخ 15 جمادى الآخرة 1413هـ ) .
7. وسبق في جواب السؤال رقم ( 11563 ) ذكر جملة من الضوابط ، نذكرها هنا للفائدة :
" وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر :
عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد .
عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته ، وتضييع الواجبات والفرائض لأجله .
أن لا يكون بصوت النساء ، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش .
وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون .
وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتاً مثل أصوات المعازف .
وأن لا يكون ذا لحن يطرب وينتشي به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني ، وهذا كثير في الأناشيد التي ظهرت هذه الأيام ، حتى لم يعد سامعوها يلتفتون إلى ما فيها من المعاني الجليلة لانشغالهم بالطرب والتلذذ باللحن ".
وإننا لنربأ بإخواننا المنشدين والمقرئين أن يكونوا سبب فتنة الشباب والشابات ، وسبباً في إلهائهم عن طاعة الله ، وهم يعلمون كم لأصواتهم وصورهم من أثرٍ سيء على الذكور والإناث ، وجولة في عالم المنتديات ترى عجباً ، ترى من تعشق منشداً ، وترى من لا تستطيع النوم إلا على صوت فلان ، وترى من تسمي نفسها " عاشقة فلان " – من المنشدين - ، وترى تعظيماً وتبجيلاً لأولئك المنشدين من النساء والرجال ، فيُعطون الألقاب والمنازل العالية ، مع أن بعضهم ليس متديناً أصلاً ، وبعضهم سقط في أوحال الغناء الماجن ، وجولة أخرى في عالم المواقع الصوتية ترى عجباً آخر وهو الغلو في سماع وتحميل هذه الأناشيد ، والزهد في سماع القرآن والمحاضرات النافعة .
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع .
والله أعلم
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة