في يوم الأحد 12 فبراير الفائت مرت علينا بكل هدوءٍ ذكرى حدث كبير هو اغتيال مؤسس جماعة "الإخوان المسلمون" ومرشدها الأول الشهيد/ حسن البنا – رحمه الله، فقد تم اغتياله في ذات اليوم من العام 1949 ميلادي بمدينة القاهرة على أيدي مخابرات النظام الملكي السابق، وسبقت ولحقت تلك الجريمة محن عديدة مرت بها تلك الجماعة في بلد منشئها وخارجه، حتى وصلت الحال بقانون الجزاء السوري – الحالي – إلى النص صراحة على المعاقبة بالإعدام لكل من ينتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمون" وبالحبس المؤبد لمن يعلن انشقاقه عنها وتبرؤه منها! ولا أملك تعريفًا أروع وأوقع من تعريف هذا الإمام المرشد لنفسه ودعوته حينما قال واصفًا إياهما: (أنا سائح يطلب الحقيقة، وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانيَّة بين الناس، ومُواطِن ينشُد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة في ظل الإسلام الحنيف، أنا متجرد أدركَ سرََّ وجودِه، فنادى: إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين) هذا أنا، فمن أنت؟).

والذكرى تستحق من جميع المهتمين بالشأن الإسلامي كل تأمل واهتمام، وقد لفت نظري أنه رغم ارتكاب الجريمة منذ 55 عامًا من الآن، إلا أن الجماعة التي أسسها ذلك الداعية الشهيد لا تزداد إلا انتشارًا داخل وخارج القطر المصري الشقيق منذ ذلك الحين، حتى أصبحت أدبيات الجماعة وأفكارها أجندة عمل ومحور حديث العديد من الرموز والواجهات الإسلامية حول العالم، رغم سلسلة السدود والقيود التي اعترضت مسيرة الجماعة وأزهقت أرواح العاملين بها في أحيان كثيرة.

بينما نجد في المقابل العديد من الجماعات والجمعيات الأخرى تنتهي أو تضعف بمجرد وفاة مؤسسيها، والعجيب أن المرشد الأول/ حسن البنا لم يكن عمره عند تأسيسها في 1927 سوى 21 عامًا، ولم يعش بعد تأسيسها إلا 22 عامًا أخرى! وهي سن مبكرة في عمر صناع التغييرات الكبرى من جانب ومدة قصيرة من مدد تأسيس الدعوات من جانبٍ آخر.

كما يلزم لفت الانتباه إلى أن عمر الإمام الشهيد رحمه الله عند اغتياله كان 43 عامًاً فقط، ولكن هذه السنوات القليلة التي قدر الله له أن يحياها لم تمنعه من أن يكون محط الأنظار وحديث المجالس في زمانه لما قدمه للأمة الإسلامية من روح تفاؤلية وفكر تجديدي.

وذلك بعد إعلان الزعيم التركي/ كمال أتاتورك إلغاء الخلافة العثمانية في 1924 ميلادي وتوزيع تركتها بين الدول الاستعمارية الغربية، والمذهل أنه لم يمضِ على تلك المناسبة المشؤومة سوى ثلاث سنوات حتى كانت جماعته المباركة تملأ العالم الإسلامي بالعمل والأمل، ، وقد رثاه العلاّمة الشيخ/ د. يوسف القرضاوي بقوله:

حَسَبوك مِتَّ وأنتَ حيٌّ خالدٌ ما ماتَ غيرُ المستبدِّ المُجرِمِ
حسبوكَ غِبتَ وأنتَ فينا شاهدٌ تَجلُو بنهجِكَ كلَّ دربٍ مُعتِم
شيَّدتَ للإسلامِ صَرحًا لم تكنْ لَبِناتهِ غيرُ الشبـابِ المُسلم
وكتبتَ للدنيا وثيقةَ صحوةٍ وأبَيْتَ إلا أن تُوقِّـعَ بالدمِ

ونجد في المقابل العديد من القادة والزعماء العرب والمسلمين، لا يرحلون عن عروشهم إلا بعد عقودٍ طوال لم يقدموا خلالها شيئًا لدينهم ولا دنياهم، بل أصبحت شعوبهم تتحسر على أيام المستعمرين الأجانب، لما شهده عهدهم من نهضة نسبية تعد خيرًا من حال التراجع والتخلف الذي يعيشونه حاليًا في ظل هؤلاء الحكام! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ختامًا: حري بالشعوب المسلمة أن تطيل التوقف والتفكر في سير العظماء والمجددين من أبنائها، لأن أي أمةٍ لا تحترم ماضيها تغدو عاجزةٌ عن فهم حاضرها أو بناء مستقبلها، وحسنًا فعلت بلدية الكويت عندما أبقت ذكرى ذلك الداعية الإسلامي حية في القلوب من خلال إطلاق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بمنطقة الرميثية، وأدعو الله القدير أن يمد في أعمارنا حتى نرى مزيدًا من الاحتفاء والاقتداء بهذا العلم الشهيد في مختلف الأقطار الإسلامية آمين.

You have no rights to post comments

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية