وهنا فإننا نعرج على بعض هذه الإستهدافات الماسة بالإسلام والمسلمين ، على سبيل المثال لا الحصر . ولنبدأ من تكريم ملكة بريطانيا إليزابث الثانية مؤخرا للكاتب المرتد سلمان رشدي بمنحه وسام الفروسية ، وهو الذي قد أساء إساءة بالغة للإسلام ونبيه الكريم عليه السلام في كتابه " آيات شيطانية " .
وهناك المرتدة الصومالية عضو البرلمان الهولاندي " أيان حرزي " التي كتبت قصتي فلم " الخضوع 1 " ، " والخضوع 2 " الذي أخرج الأول منهما المخرج الهولاندي الذي قتل على خلفية هذا الفلم " فان كوخ " ، وقد تقصدت في هذين الفلمين أن تشن حملة شعواء على الإسلام ورسوله الكريم .
وكيف ينسى المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ما اقترفته صحيفة " يولاند بوسطن " الدنماركية ، يوم نشرت عامدة متعمدة الرسومات الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم . وهل ينسون أيضا تلك الإساءة البالغة التي وجهها بابا الفاتيكان " بنيدكتوس السادس عشر " للإسلام والرسول الكريم . وحبل الإساءات طويل لا يتسع المجال لإعادة نشر غسيله القذر .
يخطىء من يظن أن هذا المسلسل الإستهدافي الحاقد له نهاية . ففي الأيام الأخيرة أضيف له فصل جديد ، يتمثل فيما تفوه به أحد المذيعين الأميركيين المعروفين واسمه " نيل بورتز " في برنامجه الإذاعي " نيل بورتز شو " الموجه إلى كافة أنحاء الولايات المتحدة الأميركية ، وصف فيه المسلمين بأنهم " صراصير يصومون في نهار رمضان ، ويأكلون في ليله " .
في برنامجه هذا ، انتقد هذا المذيع مطالبة عدد من المستشفيات الحكومية في اسكوتلندا العاملين فيها بتناول الطعام بعيدا عن المكاتب ، وذلك خلال شهر رمضان المبارك حفاظا على مشاعر زملائهم المسلمين الصائمين ، معتبرا هذه المطالبة دليلا على ما أسماه " أسلمة غرب أوروبا " .
وليست هذه هي المرة الأولى التي يهاجم فيها " نيل بورتز " الإسلام والمسلمين . في تشرين الأول / أوكتوبر 2006 ، وصف الإسلام بأنه " فيروس مميت " ، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي ، وأضاف أنه " علينا الإنتظار طويلا حتى يتم تطوير لقاح لمكافحته به " .
" نيل بورتز " هذا واحد من عشرة مذيعين اشتهروا بشن هجمات عنصرية وتوجيه انتقادات لاذعة للإسلام والمسلمين . وكان الرئيس الأميركي جورج بوش الإبن قد التقاهم مؤخرا . إلا أنه لم يعرف فحوى ما دار بينهم من أحاديث .
من هؤلاء المذيعين الحاقدين على الإسلام والمسلمين ، أختار اثنين مثالا لا حصرا . الأول هو المذيع " مايكل ميدفيد " الذي وصف الإسلام بأنه " دين بدائي " ، وأنه " وراء منظومة العنف وإراقة الدماء والرعب والبؤس والسلوك المثير للإشمئزاز الشائعة والسائدة بين المسلمين في العالم الإسلامي " . وأما المذيع الثاني فهو " بيل بينيت " الذي وصف المسلمين بأنهم " مضطربون نفسيا " .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا بإلحاح : وماذا بعد ، وماذا ينبغي فعله ، أو أن تكون ردة الفعل إزاء كل هذا وفي كل مرة ؟ . إذ لا يعقل أن يكون الرد هو السكوت والعفو . لأن العفو لا يكون إلا عند المقدرة التي في حالتها لا يجرؤ أحد على التفكير بالتشهير . والأمتان العربية والإسلامية هما في أشد حالات ضعفهما .
وهنا لابد من التطرق إلى الوهن الذي طرأ على العرب والمسلمين الذين انخفضت وتيرة ردود أفعالهم ، وسجلت درجات متدنية جدا على سلم الحمية والغيرة على منتماهم العقائدي ، ويخشى والحال هذه لا قدر الله ، أن يكونوا قد استمرأوا العدوان على كل ما يمت لهم بصلة ، فصمتوا لا حول لهم ولا قوة ، أو أنهم بصحيح العبارة شغلتهم الأمور الدنيوية التي بدأت كثير من قيمهم الجديدة تتمحور حولها . ورحم الله الشاعر العربي الذي قال: " لا يلام الذئب في عدوانه – ان يك الراعي عدو الغنم " .
ومع ذلك فإن الاعلامين العربي والإسلامي بكل أشكالهما المرئية والمسموعة والمقروءة تقع عليهما مسؤولية كبيرة في الرد والتصدي . كذلك فان دور الجاليات العربية والإسلامية في المهاجر يتضاعف ويتطلب يقظة ووقفة متحدة . وأما دور المثقفين العرب والمسلمين فلا يقتصر على الرد ، بقدر ما يفترض أن يتناول التركيز على كل الإضاءات المشرقة في فضاءات الحضارتين العربية والإسلامية .
إن من ابسط الفرضيات إزاء هذه الحملات المتكررة أن يكون هناك جسم إعلامي عربي إسلامي عالمي يتولى شرح القضايا العربية والإسلامية ويدافع عنها ، ويتصدى بكل الوسائل لكل من تسول له نفسه انتهاك حدود العقيدة الإسلامية . وهذا لا يعفي الأنظمة السياسية من دورها الذي يفترض أن يكون في المقدمة .
واستكمالا ، إن ما يهمنا هنا هو تقصير المؤسسات الرسمية وغير الرسمية العربية والإسلامية في حماية العقيدة والتراث والإنجازات الحضارية والثقافية ، والتصدي المباشر بشتى الوسائل الفاعلة والمؤثرة ، وبلغات أولئك المهاجمين للإسلام ، والمتطاولين على صروحه العقائدية والثقافية والسلوكية ، وعلى رموزه الجليلة ، سواء من داخل العالم الإسلامي او خارجه .
ثمة وسائل كثيرة إلا أن الإعلام بأشكاله المقرؤة والمسموعة والمرئية يظل له القوة على ايصال هذه المعلومة ، وبخاصة إذا كان إعلاما تشرف عليه هيئات خاصة متخصصة بالدفاع عن مجمل التراث الإسلامي بهدف إحقاق الحق ، وإزاحة ما تراكم من ضباب على الصورة الإسلامية التي تبدو في كثير من الأحيان مهزوزة في نظر الآخرين .
وفي هذا السياق فما زال المشهدان العربي والإسلامي يفتقران إلى فضائية عربية إسلامية هادفة ، وموجهة إلى الآخر أينما كان ، وأيا كان وبلغاته ومفاهيمه ، ذلك ان الكثيرين في العالم الخارجي إما أنهم يجهلون ، أو أنهم قد تشكلت لديهم صورة خاطئة عن الإسلام والمسلمين ، أو أنهم في مرمى إعلام مضلل له غايات ومآرب شريرة تجاه الإسلام وتابعيه .
إن هذا الآخر بحاجة أن يعرف أن روح العقيدة الإسلامية قائمة على عدم الإكراه ، والتسامح ، والحريات غير الإباحية ، واحترام الحقوق الإنسانية ، وللمرأة فيها مكانة من الإحترام والتقدير قل نظيرها ، وأن هناك منظومة من العدالة والمساواة والموآخاة والشورى والإنتخاب ، والجرأة في التقويم ، وقول كلمة الحق عند السلطان الجائر . وهي بهذا قد سبقت بقرون كثيرا من مبادئ الثورات الأوروبية التحررية .
إن هذا الآخر بحاجة أن يعرف بأن المسلمين لا يفكرون بغزو أوروبا او تحويلها إلى إسلامية " أسلمتها " أو تهديدها في عقر دارها . والأهم من ذلك يجب أن يعرف ويقتنع أن الديار الإسلامية هي المهددة ، وهي المجتاحة ، وهي التي تتعرض للغزو والإستعمار والتدخل السافر في شؤونها والسطو على خيراتها .
إسلاميا ، وكلمة أخيرة ، إن المسلمين يرفضون المساس بحرمة عقيدتهم السماوية قرآنا وعبادات ورموزا ، وفي مقدمتهم الرمز الأقدس الخالد المتمثل برسولهم الكريم . وهم مكلفون شرعا في الدفاع عن هذه العقيدة . وهم أيضا يؤمنون بحرية الرأي ، وليس في دينهم أي إكراه أو إجبار . وهم أيضا يؤمنون بأن الحرية ليست رخصة مفتوحة على مصراعيها ، وإنما هي إرث من المسؤولية واحترام الآخر . وهم أيضا يحترمون كل الديانات ويسيدون أنبياءها جميعا عليهم السلام . وهم أخيرا لا آخرا يعتبرون استهداف الإسلام والسكوت على ذلك فصلا خطيرا من فصول صدام الثقافات لا وئامها .
ليس المطلوب إشعالها حربا دينية ، أو خوض غمار صراع حضارات . إن المطلوب صحوة عربية إسلامية ثقافية انتمائية على كافة الصعد والمستويات في إطار تواجد عربي إسلامي فاعل مراقب متابع متصد ، كي لا تظل الساحة حكرا على اؤلئك الذين يصولون ويجولون فيها ، مجترئين على انتهاك حرمات كل ما يمت إلى الإسلام بصلة . وحقيقة إن الإسلام في مرمى النار على كثير من الجبهات . فمتى متى يصحو المؤمنون به ، ومتى متى يقفون صفا واحدا في كل الجبهات على خطوط شرف الدفاع عنه ؟ . وإن غدا لناظره قريب .
التعليقات
حكوماتنا مسلمة تعادي الإسلام وخائفة من ظلها. فليس لنا ظهر.
مثقفونا وعلماؤنا لا ميل لديهم للتعاون والإلتقاء والوحدة، فليس لنا عصبة.
غالبية الفقراء والمهاجرين في العالم مسلمين . فليس لنا وزن.
والأدهى من ذلك فإن سلوك أناس يسمون أنفسهم مسلمين وهم لا يعرفون حتى فاتحة الكتاب ولا يستطيعون قراءتها، ولم يصل أحدهم ركعة واحدة لله عز وجل، لجؤوا للغرب وارتكبوا به كل أنواع الجرائم والمخالفات يجعل نظرة الغرب لنا في غاية السوء.
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى:
فإن سيطرة اليهود على مفاصل الحكم وأجهزة الإعلام، إضافة للعنصرية الدفينة الموجودة لدى الغربيين بشكل عام، مكن لهم من تسعير موجة الحقد على المسلمين.
فهل سينتهي الإسلام من الأرض.
أبداً، فنحن نعلم أن الله متم نوره وغالب على أمره، وأن الإسلام سيدخل كل بيت مدر أو وبر، ولكن هلا ساعدنا أنفسنا قليلاً.
علينا أن نقوم وقت واحد:
بتعميق مفهموم الإيمان بالله عز وجل لدى المسلمين لكسر التناقض بين المعتقد و السلوك.
وباعتماد النظام والمساواة كأداة وحيدة لبلوغ كل غاية.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وبارك لنا في ديننا وإيماننا في هذا الشهر الفضيل لنكون أهلا للانتساب غلى دينك الحنيف.
الصراصير لا تظهر عادة سوى بالأماكن غير النظيفة، وتختفي عادة في حالة النظافة وبصورة أقوي في وحود القطط ولهذا فالموضوع عندي معكوس!
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة