التعليقات
إنك تعلم يا مولاي أن هذا الهوان الذي يرتدي قادة المسلمين اليوم مِزَقَهُ، هو الذي استخرج العدوان، الذي ظل دفيناً في صدور أصحابه الصليبين المتهودين، على الإسلام وكتابه وعلى الإله الذي أنزله، وظلوا يتربصون به غِرَّةً، وينتظرون لإعلانه فرصة.. "
هذا ما كتبه الشيخ البوطي بالأمس ( ونشره موقع الوحدة الإسلامية في 4/10/2003 ) في تشخيصه لحالة الهوان التي نعيشها .
وهذه الحالة الطارئة أوقعنا بها السادة الحكام بعد زيارة السادات للقدس ، حيث انكفأ كل قطر عربي على نفسه ، و انكفأ كل حاكم لتثبيت عرشه ، و عكف على تنظيف البلد من كل خيراتها ، و اهتم بتوريث هذا الخير لأبنائه .
و لكي لا تظن أخي الدكتور رفعت أن الإصلاح بعيد كما تتصور فإني أخبرك بقصص غير مشهورة عن حكام ما قبل عام 1977 . و هذه القصص موجودة في الكتب و الجرائد لكنها غير مشهورة و لا تسلط عليه الأضواء . فحكام اليوم لا يريدوننا أن نتاول حكام الأمس بالخير و لا أن نعقد معهم أية مقارنة حتى لا يبدو بجوارهم أقزاماً ، لصوصاً ، و أشباه رجال ، و سبة في تاريخ أوطانهم .
أولاً : عن أحوال الرؤساء ما قبل الزيارة :
1- لم يزد راتب الرئيس اليمني عبد الرحمن الإرياني خلال فترة حكمه من عام 1967 و حتى 1974 عن عشرين ريالا شهريا و كان يعيش عيشة الزهاد . و حين قام المقدم الحمدي بالانقلاب عليه ، ذهب إليه و قبل يده و اعتذر منه .
2 – مات اسماعيل الأزهري الرئيس السوداني و هو يسدد أقساط شقته التي اشتراها من المساكن الشعبية التابعة للأوقاف .
3- سأل الفريق ابراهيم عبود الذي حكم السودان من 1958 إلى 1964 السلطة الجديدة التي طالبته بإخلاء القصر الرئاسي: أروح فين. فلم يكن يملك أي مسكن و لا حتى بالإيجار .
4- حين جردوا ثروة عبد الكريم قاسم بعد قتله و الانقلاب عليه و جودوه يملك بدلتين عسكريتين فقط . و كانت خزانة ملابسه مجرد ستارة مسدلة على زاوية في مكتبه . و كان كريماً و كان عطوفا يبر أهله و لم يدخر ديناراً واحداً . ويشهد له اليوم أعداء الأمس بما كان صفاته الطيبة .
5- لم تمتد يد زعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر للمال العام قط و كان يعيش و أهله و أولاده بمستوى أي ضابط من القيادات العسكرية المتوسطة ، أي أنهم لم يكونوا يعيشون في بحبوحة بل كانوا على قد الحال .
6- كان الرئيس شكري القوتلي و الذي أنفق ماله و ماله أهله على الثورة ضد الإفرنسيين ، يستدين آخر كل شهر على مريته حين أصبح رئيساً كما كتب ذلك مرافقه العسكري العقيد سهيل العشي في كتابه فجر الاستقلال في سوريا ، و مات الرئيس شكري القوتلي أبو حسان و لم يكن يملك داراً ، فخرجت جنازته من دار صهره حينما أحضر جثمانه من قبرص . و كان راتبه و هو رئيس الجمهورية 1300 ليرة سورية و كان راتب والدي يرحمه الله الملازم المتخرج حديثاً من الكلية الحربية 249 ليرة . أي أن الرئيس كان يقبض خمسة أضعاف راتب الجامعي حديث التخرج . و كان القوتلي لا يقبل إلا أن تكون الولائم في القصر الجمهوري إلا من جيبه الخاص .
ثانياً : عن أفعال الرؤساء ما قبل عام 1977 :
1- لن أذكر عبد الناصر فأفعاله مشهورة . و لكن أذّكر فقط بثلاث مواقف صغيرة نسيها الناس :أ - حاصرت أمريكا سوريا عام 1957 حصاراً عسكرياً من كل الجهات ، فأرسل عبد الناصر فوجاً من المدفعية و بعض القطع البحرية لميناء اللآذقية السوري و أقام قيادة واحدة للجيشين. ب – حينما هبطت قيمة صرف الليرة السورية طالب عبد الناصر شركات الملاحة بدفع رسوم عبور القناة بالليرة السورية . ج- حين رفض اتحاد عمال النقل في أمريكا و الذي يسيطر عليه اليهود عام 1960 تفريغ السفينة المصرية كليوباطرا ، ناشد عبد الناصر العمال العرب عدم تفريغ السفن الأمريكية ، فتوقف تفريغها في كل الموانئ العربية بما فيها لدول العربية التي كانت تحت الاحتلال كعدن و غيرها ، و اضطر الرئيس الأمريكي أن يرسل الجيش الأمريكي لتفريغ السفينة المصرية. كان عبد الناصر مخلصاً و كان يتحدى أعداء الأمة و لا يهاب أحداً و لذلك صدقه الناس و آمنوا به . لا يلغي ذلك ما وقع فيه من أخطاء عديدة لكنه كان رجلاً و كان عفيفاً .
2- خلال الحرب العالمية الثانية ، و على ظهر طراد بريطاني ، في البحيرات المرة بقناة السويس ، هدد شكري القوتلي ونستن تشرشل بجعل مياه البحر حمراء من دم الإفرنسيين إذا لم يخرجوا من سوريا بدون قيد و لا شرط ، فغضب تشرشل و وضع جبهته في جبهة الرئيس شكري القوتلي وصاح فيه أتهددني و أنا القائد العام لجيوش الحلفاء ، فصرخ فيه القوتلي بدوره قائلا نعم ، و أنا القائد العام للشعب السوري . فهدأ تشرشل و استجاب لمطلب القوتلي بعدم عقد أي معاهدة ثقافية بين سوريا و فرنسا عند جلائها بعد نهاية الحرب.
3- هاجمت القوات الإسرائيلية مصر في الساعة الخامسة عصر يوم 29 اكتوبر عام 1956 ، فاجتمعت القيادة السورية و قررت مهاجمة إسرائيل من جبهتين من الهضبة الجولان السورية ومن نابلس في الضفة الغربية ، و نسقت مع الأردن و العراق ، و وصلت القوات السورية إلى مواقع الحشد و استعدت للهجوم في الساعة الواحدة صباحاً من يوم 31 اكتوبر 1956 أي بعد واحد و ثلاثين ساعة من بدء الهجوم الإسرائيلي على مصر . و كان ذلك أيضاً أيام رئاسة شكري القوتلي .
4- كان الجيش العراقي ظهيراً و سنداً للجيش السوري في كل الملمات ، أيام الملك و الاستعمار البريطاني ، و أيام الانقلابات ، و أيام البعث أيضاً . ففي عام 1948 استعاد جنين ، و في عام 1956 لحق بالجيش السوري لشن الهجوم على إسرائيل من الجبهة الأردنية ، و عام 1967 لم يكن بعيدا عن المعركة ، و في عام 1973 رمى بكل ثقله على الجنهة السورية ، و هو الذي أوقف تقدم اليهود في سعسع ، و لولا الإيقاف المفاجئ و غير المفهوم للحرب لكنا اليوم في وضع مختلف تماماً .
5- حين قامت حرب رمضان عام 1973 لم يكن في خزانة دولة الإمارات العربية المتحدة مال ، فذهب الشيخ زايد للندن و استدان مئة مليون جنيه استرليني على اسمه الخاص و أعطاها لمصر و سوريا لدعم مجهودهما الحربي ، و حين قصفت إسرائيل مصفاة بترول حمص و كانت مصفاة البترول الوحيدة في سوريا تعهد الشيخ زايد ببناء مصفاة بديلة و هي مصفاة بانياس القائمة اليوم .
6 - و لعلنا لم ننس ما قام به الملك فيصل و الدول العربية البترولية جميعا من قطع البترول رغم أنه مصدر دخلها الوحيد .
7 - و في نفس الوقت طار الرئيس هواري بومدين إلى موسكو و اشترى على حساب الجزائر مئة دبابة و طلب توصيلها فوراً لمصر و سوريا. على فكرة ، بومدين لم يترك لأسرته كميراث سوى قبره .
8 - و تدفقت المساعدات على مصر و سوريا بسخاء من كل الدول العربية من الكويت حتى المغرب و من العراق حتى االصومال .
بمثل أؤلائك الحكام كنا نحلم بالوحدة العربية ، و كانت أبواب الأمل مفتوحة أمامنا ، و لكن حين حكمنا بياع البطاطا و كل إمعة فجعان وصلنا إلى ما وصلنا إليه .
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة