ركزوا رفاتك في الرمال يا ويحهم
يوحي إلى جيل الغد البغضاء
كان ذلك البيت الشهير من مطلع قصيدة لأمير الشعراء شوقي يرثي شيخ المجاهدين عمر المختار بعد أن شنقته السلطات الاستعمارية الإيطالية جزاء له على تمرده عليها وإبائه الضيم والعبودية بالثورة على الجلاد إيثارا للحرية والكرامة.
شيخ المجاهدين الذي استشهد وهو شيخ طاعن في السن لم تشفع له شيخوخته في أن ينال حكما مخففا – وما كان يريده- وكيف يريده وهو سليل أمة مجاهدة أنجبت خالدا ويوسف العظمة والأمير عبد القادر وعبد الكريم الخطابي وغيرهم؟أولئك الذين قاوموا الظلم والاستبداد وارتضوا حياة العزة والكرامة لشعوبهم.
واليوم يواصل أحفاد عمر المختار في بنغازي وأجدابيا والبيضاء وطرابلس وكل شبر من التراب الليبي ثورته على الزيف والغطرسة والاستبداد وعهود الظلام والتحجر.
إنهم فتية آمنوا بربهم وقدموا أرواحهم رخيصة فداء لحرية الوطن ، شباب في عمر الزهور وميعة الصبا:
بهروا الدنيا وما في أيديهم غير الحجارة
وأضاؤوا كالقناديل
وجاؤوا كالبشارة
لقد وهبوا بدمائهم الزكية الحياة لوطنهم وقوافل منهم صدقت ما عاهدت الله عليه وما قضت نحبها بعد وهي تتظاهر وتثور وتصرخ ولا يهمها أن تسقط مضرجة بدمائها في ساحة المعركة.
لقد أثبتت الأنظمة العربية أنها قامعة للشعوب تسترخص أرواحها وتصيب منها المقاتل بالرصاص الحي، لاهم لها إلا قمع الثورة وإسكات الصرخة حتى تؤبد في الحكم بعد أن يتوارثه الأبناء عن الآباء .
ومن مفارقات الثورات العربية الأخيرة التطابق في المبدأ والمنهج والغاية والأداة فالمبدأ تحقيق العدالة والدفاع عن الحرية وضمان الكرامة والتداول على السلطة والتظاهر السلمي وعدم الانتماء إلى أي حزب سياسي، والمنهج الاعتصام والتظاهر السلمي وحمل اللافتات المعبرة عن روح الثورة والمطالب والمواقف من الأنظمة المستبدة والغاية إسقاط الأنظمة فبزوالها تزول كل الآفات:
وقمامة قمت من الرجس الذي
بزوالها وزواله يتطهــــــــــــر
أما الأداة فواحدة الشباب لا يميل إلى حزب ولا يبتغي عرضا زائلا تسلح بثقافة العصر الرقمية والمعلوماتية وأتقن أدوات الاتصال وقنواته، هو جيل الفايس بوك والتويتر يتواصل مع بعضه ،يخطط وينفذ ويمارس الدعاية لثورته حتى بهر الشيوخ وألزمهم الصمت واستل منهم التقدير والإكبار وقد أسلموا له القياد. مدركين الخطأ حين ظنوا بشباب اليوم الظنون ، فليس شباب تافها ولا سطحيا وعديم الوطنية وقد أثبت بالممارسة درجة الوعي والوطنية والاستعداد للشهادة.
ومن الأمور التي لا تفوت كل متتبع لأحداث الثورات العربية الأخيرة أن الأنظمة المستبدة والجماهير تزلزل عروشها تلجأ إلى نفس الوسيلة لخنق الثورة وممارسة التعمية وبعض حيلها باعث على السخرية . يسير شباب في الشوارع متظاهرين سلميا ينددون بالظالم والمظالم ويطلبون حقوقهم فيطلع لهم مرتزقة ومأجورون ينهالون عليهم بالعصي ضربا وبالأسلحة البيضاء تمزيقا ولا تكتفي الأنظمة بذلك بل تطلق سراح السجناء ليعيثوا في الأرض فسادا وليلطخوا الثورة ، حتى يظن البعض أنها ثورة رعاع.
وتعمد تلك الأنظمة إلى التشويش على قنوات فضائية نقلت الحدث طازجا حيا فتعمد إلى طرد مراسليها وممارسة التشويش عليها فتحتجب ولكن الحقيقة مسفرة والمتابعون لديهم وسائلهم في متابع أخبار الثورات بكل دقة وتفصيل وصدق وتضامن بينهم.
لقد انتهى عصر الاستبداد العربي ، والأمة العربية اليوم بعد ثورة تونس فمصر قد دخلت عصر الأنوار، لم تعد تِؤله الحاكم وتعرف حقوقها وتطالب بها أسوة بالمجتمعات الإنسانية الأخرى ، إن عدوى الثورة تسري سريان النار في الهشيم والخوف في قلب الجبان وسنعيش ثورات عربية أخرى تدك حصون البغي والاستبداد وأنظمة أخرى تتساقط كأوراق الخريف وسنرى صور الحكام في الشوارع ونسمع من الثائرين أقذع الألفاظ في حقهم ، ستنتهي حقبة من تاريخ أمتنا لم نحد فيها عن سياسة معاوية ويزيد وممارسات سياسية لم تشذ عن ممارسات الوليد بن يزيد وقهر كان استمرارا لقهر الحجاج بن يوسف لتدخل أمتنا عصر النور عصر العلم والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة والتداول السلمي على السلطة باقتراع نظيف حر وشفاف.
والليبيون الذين عاشوا الوهم أكثر من أربعين سنة يشربون من السراب ويكتحلون بالقتاد عادت الخضرة صفرة وقد حصحص الحق ،الفساد ضارب أطنابه والممارسة السياسية من لدن عصور الغاب والبلد يتأخر وحاكمه المجنون بالعظمة يتبختر، سولت له نفسه المريضة أنه القائد الحق والعظيم الذي لم تلد النساء مثله والمفكر النابغة ومن مال الشعب يدفع لمن يهتف ويصفق ويرائي وتستمر المهزلة.
في أواخر عام زرت ليبيا ومكثت بطرابلس وسرت أياما معدودات وهالتني القذارة في شوارع العاصمة واللون الأخضر الذي يغطي كل شيء ، وكلمات أمقتها على شاكلة الكتاب الأخضر ، اللجان الشعبية..... وشعارات فارغة لا يؤمن بها إلا معتوه.
وحياة الشعب دون المستوى المطلوب بالقياس إلى الثورة النفطية وعدد السكان القليل جدا بالقياس إلى دول عربية أخرى ولكن المال ضاع شراء للذمم أو تكديسا في بنوك الغرب وللشعب الخصاصة والمسغبة.
ولقد تعرضت لمضايقة مخبر سري وهربت إلى الفندق وأغلقت الأبواب حيث أقيم لا أخرج حتى خرجت من البلد سالما وأنا خائف مرعوب فلو رميت هناك في السجن للبثت أحقابا ظلما وعدوانا وكم ضاع أناس شرفاء ولا زلت أذكر مأساة فقيد الفكر الدكتور عبد الرحمن بدوي – رحمه الله - وكيف أهين وسحق وقد جاء بنية العمل والتدريس ونشر الفكر الفلسفي في بلد ادعت قيادته أنها كعبة الأحرار.
اليوم الشعب الليبي نفض عنه عصور الضباب وقام طائر العنقاء من رماده ماردا يسحق الظلم والظالمين. وإن خنع هنيهة واستكان خوفا أو تصديقا لتلك الثورة الخضراء الكاذبة السرابية فليست تلك هي حقيقة الشعب الليبي وقد هب هبة رجل واحد لا يخاف الحاكم الظالم ولا الموت الذي هو غاية كل حي.
وإنها لثورة مباركة ستلحق البلد الكريم بالحرتين تونس ومصر وستغدو ثورتها مضرب الأمثال فبلد أنجب عمر المختار لا يرتضي إلى الأبد حياة الذل والهوان والاستبداد وحقيقة حكامنا المستبدين هي التي وصفها الشاعر الثائر محمد مهدي الجواهري أصدق وأدق وصف:
ولقد رأى المستعمرون منا فرائسا
وألفوا كلب صيد سائبـــــــــــــــــا
فتعهدوه فراح طوع بنانهــــــــــم
يبرون أنيابا له ومخالبـــــــــــا
أعرفت مملكة يباح شهيدهــــا
للخانعين الخاديمن أجانبـــــــا
مستأجرين يخربون ديارهــــم
ويكافأون على الخراب رواتبا؟
عاشت ليبيا حرة بداء شبابها والله يرعى ثورتها"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرا ما بأنفسهم".
التعليقات
وتجسد ذلك في توسع حلقات ثقافة الكراهية النتنة والأحقاد الدفينة والضغائن والأطماع في هذه الفترة الوجيزة، فكيف بالله عليكم سيكون عليه الأمر بعد مرور عدة أشهر أو سنوات قليلة، كم نحتاج من السنوات لمحو ما جرى عن الذاكرة الإنسانية ليس على مستوى تعلق الأمر بالتجربة الديمقراطية الوليدة التي أخذت من أعمارنا عشرون عاما ورواها شعبنا العظيم بدمائه الزكية ومعاناته وصبره ووفائه وجلده، ومن قوت عيشه ووقته ومن ثم من مستقبله المنشود فحسب، سيما أنه كان ينتظر معنا بالفعل على أحر من الجمر قطف أول ثمارها الذي كان قريبا بعدما بدأت الملامح الرئيسة تتضح بجلاء أكثر منذ العام 2006م، باعتبار أن هذه المرحلة كانت في مضمونها عبارة عن خطوات عملية جادة للتمهيد- هذا إن لم نقل الدخول الفوري- لأجواء التنمية الشاملة والبشرية والاقتصادية منها- بوجه خاص- في ضوء التوجهات التي تبناها الرئيس الصالح وتياره المعتدل في السلطة التي تجسدت شكلا ومضمونا في برنامجه الانتخابي وما صاحبه من وجود إرادة قوية وإصرار وعزيمة على تنفيذه مهما كانت التحديات والصعوبات.
بل بقدر تعلق هذا الأمر بالشارع اليمني وشبابه الذي اكتوى بها والذين تم استغلالهم ومطالبهم المشروعة في حياة كريمة ضمنتها لهم كافة التشريعات والدساتير السماوية والوضعية ودستور وطن الـ22 من مايو العظيم منها- بوجه خاص- لتنفيذ أجندة شخصية ومقيتة داخلية وخارجية يمثلها المشروع الانفصالي الذي برزت مخالبه الحادة واضحة للعيان.
وعودا إلى بدء أود أن أبدا من جهتي بطرح هذا الأمر أمامكم برمته- وفقا- لهذه القراءة المتعمقة في ملامحها الأولية، كي نشبعه طرحا من كافة الجوانب، لأننا أصبحنا بالفعل- من الآن- نتحمل المسئولية الأخلاقية والقانونية أمام هذه الأمة وأمام ربنا عن ذلك في صورة أسئلة كفاتحة لما سيأتي من أطروحات، أورد منها ما يأتي:
-القول إذا كانت فئات واسعة من الشعب تطالب بحقها في إسقاط النظام السياسي القائم، هل تعرفون ماذا يعني ذلك من النواحي الدستورية والقانونية والسياسية..؟ وإذا كان ذلك يعني إلغاء المنظومة السياسية القائمة، ابتداء بالهياكل الإدارية المكونة للدولة ممثلة بالسلطات الثلاثة، ومرورا بالتشريعات الدستورية والقانونية، وانتهاء بالقيادات والأفراد والموظفين الذين تسنى لهم تبوء أية منصب إداري وما دون ذلك على مدار العشرين عاما الماضية؟ فهل تعرفون ما دلالاته على ماضي وحاضر مستقبل أمتنا ومن ثم معنوياتنا وإرادتنا؟ أنحن أمام مؤامرة حقيقية لها أطراف داخلية وخارجية.
-وإذا كانت أحزاب اللقاء المشترك جزء من هذا الأمر تطالب بإسقاط النظام التي هي مكون رئيس فيه، فماذا يعني ذلك في الجانب السياسي والدستوري والقانوني- بصفة عامة- وقانون الأحزاب والتنظيمات السياسية– بصفة خاصة- سيما أن معظم قيادات هذه الأحزاب هي التي شاركت في صياغة وإقرار هذا القانون بما يتضمنه من حقوق وواجبات تحت قبة البرلمان؟ وهل يعني رفضها لكافة دعوات الحوار المجتمعية والمبادرات الرئاسية ضمن المؤسسات الدستورية والتشريعية وخارجها، التي هي- في المجمل- خلاصة لمئات المبادرات والسفارات التي تقدمت بها أطياف مختلفة من أبناء الشعب، مقابل التمسك بخيار النزول إلى الشارع بحثا عن الشرعية الجماهيرية ومن ثم تهديدها الخطير بالنيل من مرتكزات النظام السياسي، أنها قد نالت بالفعل في الجانب العملي من شرعية وجودها كمؤسسة سياسية معترف بها؛ سواء على مستوى أنظمتها الداخلية المحكومة بمراعاة المصالح العليا للأمة كحد أعلى ومصالح مجموع الأفراد المنتمين لها كحد أدنى أو على مستوى النظام السياسي المحكومة بمراعاة المصالح العليا للأمة كحد أعلى، وقوانينه ولوائحه المؤسسة لقواعد اللعبة السياسية كحد أدنى؟ وإذا كان ذلك يرقى إلى حد الانقلاب على الشرعية السياسية والعملية الديمقراطية التي تكفلها مؤسسات النظام القائم، فما هي الخطوة التالية لتجاوز هذه المعضلة من الناحية القانونية والدستورية والسياسية؟ ومن الله التوفيق والعزم
RSS تغذية للتعليقات على هذه المادة