بعد طول انقطاع ، تعاود اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط استئناف اجتماعاتها في اواخر الشهر الحالي لاستكمال اجتماعها الذي عقدته مؤخرا في نيويورك ، وبحث مستجدات الساحة الفلسطينية في ضوء اعلان مكة المكرمة. وكانت الرباعية قد اجتمعت مؤخرا في نيويورك ، وهي المكونة من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة . وقد أشادت في بيانها الختامي بما أسمتها جهود الولايات المتحدة لتسريع خارطة الطريق ، وموضوع إقامة الدولة الفلسطينية .


وبطبيعة الحال ، فان الولايات المتحدة ممثلة بوزيرة خارجيتها كوندوليزا رايس قد اعترضت على فكرة وضع جدول زمني لاقامة دولة فلسطينية ، وأصرت على عدم التعامل مع الحكومة الفلسطينية الحالية ، أو أن يكون لها أي دور في أية تسوية ، ما لم تلتزم بشروطها ، اضافة إلى أنها استثنت سوريا ، معتبرة إياها جزءا من المشكلة ، بدل اعتبارها عاملا ايجابيا لأية تسوية سلمية في المنطقة .

وهكذا ، فإن بيان الرباعية لم يأت بجديد ، ويظل سقف طروحاتها دون الحد الأدنى المطلوب . وهي لا تتطرق إلى صلب المشكلة ، وتظل تلف وتدور حولها . لقد كان المنتظر منها أن تطالب بانهاء الاحتلال الاسرائيلي بكل إفرازاته على الأرض الفلسطينية . وفي ذات السياق مطالبة الولايات المتحدة ان لا يظل كلامها عن الدولة الفلسطينية هلاميا ، ليس له رصيد على أرض الواقع .
لقد مضى على رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش الابن حول الدولة الفلسطينية سبع سنوات ، وقد قاربت ولايته الثانية على الانتهاء دون أن يخطو خطوة واحدة لترجمتها على أرض الواقع . إلا أن الذي حصل هو تكريسه للاحتلال الاسرائلي ، ومباركته لكل المشروعات الاستيطانية ، ووعده بافراغ القضية الفلسطينية من مضامينها الاساسية .

إننا لا نتجنى على الرباعية ، ولا نجافي الحقيقة ، حينما نقول إنها واقعة تحت ظلال الهيمنة الأميركية ، الأمر الذي يحد من فاعليتها بشكل ملحوظ . حينما نتحدث عن اللجنة الرباعية المنوط بها الاشراف على تطبيق ما حل للقضية الفلسطينية ، أو ما اصطلح عليه قضية الشرق الاوسط ، فنحن نتحدث عن الأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا الاتـحادية . لكن الأهم من ذلك كله هو الضلع الرابع المتمثل بالولايات المتحدة الاميركية التي أولت نفسها منصب الحكم في ملعب هذه اللجنة الغائبة فعلا ، والحاضرة اسما ، وهذا الحكم هو الذي وحده في يده البطاقات الصفراء والحمراء ، وهو الذي بامكانه أن يشهرها في وجه أي لاعب كما يشاء ، او حتى في وجوه كل اللاعبين مجتمعين .

بداية لا بد من قراءة لحقيقة العلاقات بين هذا الثلاثي في الرباعية مع الولايات المتحدة التي تنفرد باتخاذ القرارات وتصر على أن تكون هي المرجع الاول والأخير . وأقل ما يقال في هذه العلاقات ان الولايات المتحدة لا تقيم وزنا كافيا لهم ، وانها في كثير من الاحيان تتجاوزهم وتنظر اليهم نظرة استعلاء ، وتحد وعدم اكتراث .
 في علاقاتها مع الامم المتحدة ، تصرفت على مدى عمر هذه المنظمة الدولية معها على اساس انها في كفة والعالم كله في كفة ، وان كلمتها هي العليا تحت طائلة المعاقبة والمحاسبة بشتى الوسائل كونها تملك سلاحي العون المادي والفيتو . ولعل سيناريو علاقاتها مع هذه المنظمة عشية العدوان على العراق وفي اثنائه وبعده ما يؤكد هذه العلاقة غير المتوازنة القائمة على عدم ايفاء هذه المنظمة ما تستحقه من مكانة واحترام وتقدير واهتمام بالسماح لها بتنفيذ ولو قدر يسير من القرارات التي أصدرتها بشأن القضية الفلسطينية ، بدءا بالعام 1947 حتى هذ الأيام ، أو بشأن الغاء دورها أو تحجيمه فيما يخص الازمة العراقية .
 في علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي ، فإن مصالح هذا الاتحاد تتقاطع في أحيان كثيرة في كثير من النقاط مع المنظور الأميركي . صحيح أن الاتحاد الأوروبي يحاول أن يبدو وكأنه مستقل ، إلا أنه حتى الآن لم تصدر منه مبادرة قوية تدين الاحتلال ، وتطالب بازالته ، ورفع الظلم عن الشعب الفلسطيني . ولا داع لتكرار إثارة موضوع عدم احترامه لخيار الشعب الفلسطيني ، والوقوف في الصف المتنكر له ، وتأييد الحصار الخانق له .
وهنا ، فلا ينبغي أن يغيب عن البال أن بريطانيا هي من الدول الرئيسة للاتحاد الأوروبي . وبريطانيا هذه هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن نكبة الشعب الفلسطيني . وهي بدل أن تحاول تصحيح الخطأ والخطيئة التاريخيين اللذين اقترفتهما بحق الفلسطينيين ، فانها تقف قلبا وقالبا مع الساسات الأميركية والاسرائيلية المعادية للأماني الفلسطينية .

أمـــا روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفييتي السابق فقد فقدت معظم آليات الدولة العظمى التي كانت تتمتع بالندية . ولا يخفى على احد ان الازمات الاقتصادية التي تمر بها وحاجتها الى دولة غنية كالولايات المتحدة جعلتها " تفوت " كثيرا من الامور لها ، او تغض النظر عنها ، أو تتجاهلها ، أو على أقل تقدير أن تبدي " عدم رضاها " صوريا .

وهكذا فان الولايات المتحدة تصول وتجول في ملعب اللجنة الرباعية ومعها اسرائيل بحرية شبه تامة ، وتفرض رؤاها ومفاهيمها وارادتها . ولا تختلف الحال عنها في أروقة الامم المتحدة وتحديدا مجلس الأمن حيث الفيتو الاميركي بالمرصاد . وبمعنى آخر فان ظلال السياسات والتوجهات الاسرائيلية تخيم على هذه اللجنة ، وهذا واضح وجلي في بيانها الأخير غير المنصف للشعب الفلسطيني ، والذي يؤكد أنها تعمل تحت ظلال الهيمنة الأميركية .  

وكلمة أخيرة للرباعية . إن الاسباب هي ما يفترض بالرباعية أن تعود إليها ، وأن تقف عندها ، وهي التي تشكل في كمها الهائل والمتزايد مع الايام مأساة الشعب الفلسطيني الذي فقد كل شيء الا الايمان بالله والوطن والحق السليب . ولا نشك أن الرباعية بكل مركباتها وعناصرها تجهل هذا المنطق ، الا انها تتجاهله بالوقوف عند النتائج . وتذكيرا ليس الا ، فان المنطق فيما يخص الحال في الاراضي الفلسطينية يفترض ان يفرض تفكيرا واحدا  هو الانطلاق من الاحتلال الاسرائيلي ، وهنا تكمن منظومة الاسباب التي أشرنا اليها .  
ان الفلسطينيين يتوقون كغيرهم من الشعوب بل ربما اكثر من غيرهم الى انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بالطرق السلمية . ولكنهم يشعرون يقينا أن رياح الاطماع الدولية تسير بعكس ما تشتهي سفنهم . وهم يشعرون أيضا انه لا الدول الكبرى ولا المنظمات الدولية ولا هذه اللجنة الرباعية قد انصفتهم . وحقيقة الأمر انها عادت بهم الى المربع الأول .

والفلسطينيون على يقين أن الحلول المطروحة عليهم ما زالت نظرية عالقة في مهب الاهواء والاطماع والمزايدات والمناقصات ، وانها بمجموعها لا تصل الى ما دون سقف امانيهم واحلامهم ، وانما هي تستهدف فرض حل يشتم منه كسر شوكتهم ، ولي ذراعهم ، وتخفيض هامتهم . الا انهم في كل مرة يزدادون صلابة وعنادا لاسترجاع حقهم السليب . وهم ما عادوا يأبهون بهذه التهم الظالمة الجائرة التي تكال لهم من قبل دول وجهات ولجان وآخرها هذه الرباعية ، تكتال بأكثر من مكيال ، وتفتقر الى الانصاف والعدل والموضوعية والمنطق ، وايديها ليست نظيفة في تعاملها مع قضايا الشعوب .

شاعر وكاتب فلسطيني

You have no rights to post comments

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية